د. عيد بن مسعود الجهني
بعض العرب اليوم وسط التحولات التاريخية التي تشهدها منطقتهم يجهلون تماما أو يتجاهلون أن هذا العصر هو عصر (القوة) والعالم لا يصغي إلا للقوي (والقوة) هي التي كسرت شوكة العراق أرض الرافدين، والقوة هي التي جعلت إسرائيل تستأسد، فهذا زمن إما أن تملك القوة فيه أو تمرغ أنفك في التراب. ومن رحم هذا القول أن دولا عديدة بعد أن ألقت أمريكا قنابلها النووية على الجزر اليابانية سارعت بعض الدول الكبرى وفي مقدمتها الاتحاد السوفييتي (السابق) إلى امتلاك القوة النووية. بل أن دولا فقيرة اقتصاديا ميزانيتها متواضعة أصبحت دولا نووية ولدينا مثل حي كوريا الشمالية.
إن أمننا القومي العربي في خطر محدق بعد أن خرج العراق بوابة العرب الشرقية من قوته بعد احتلاله للكويت وتبعته سوريا التي هرب طاغيتها مخلفا وراءه عشرات الآلاف من القتلى والجرحى وسجون فوق وتحت الأرض مليئة بالمعتقلين من جميع الطوائف.
إسرائيل انتهزت تلك الفرصة السانحة ليلة سقوط نظام وقيام نظام جديد لتحتل مساحات شاسعة من أرض سوريا، ومساحات كبيرة من جنوب لبنان.
وليبيا حالها لا يسر عدوا ولا صديقا، واليمن الذي كان سعيدا يعيش حالة حرب داخلية، والسودان الذي اقتطع منه جنوبه لتصبح الدولة 193، تدور على أرضه حرب شرسة بين أصدقاء الأمس أعداء اليوم ليحولوا بلادهم إلى دمار وخراب ونزوح معظم السكان بدعم إقليمي ودولي ليخرج السودان من مسيرة الأمن القومي العربي.
وهناك (لعبة) دولية لفصل دار فور، والصومال قطعت أوصاله ليصبح العالم العربي ليس (22) دولة وإنما (40) دويلة.
ونحن في العالم العربي متفرجين على ألعاب سيرك بهلوانية يصفق لها البعض فرحين ويذرف الدموع الكثيرون.
العرب اليوم عليهم السباحة السريعة نحو امتلاك (القوة) بعد التفكك المتسارع لبعض الدول العربية، عليهم إستيعاب العبر والدروس قبل فوات الأوان، فعليهم تدبر الآية الكريمة {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ} (الأنفال 60).
إن الحق والخير بحاجة لقوة تحفظهما وتحميهما وتدافع عنهما، والحق أعداؤه كثيرون، وسيعملون جهدهم لمحاربة الخير، وإذا لم يعد العرب والمسلمون من أسباب القوة ما يجعل الحق الذي يدعون إليه في منعة فعلى ذلك الحق السلام، مهما كان يملك من أسباب الإقناع، فان كنت على حق فأنت بحاجة إلى (خيزوم) قوي للحفاظ على المصالح ودعم الأمن بقوة ليتحقق البقاء.
المهم في خضم هذه القضايا والأحداث الخطيرة على أمنهم القومي أن العرب قد يصبحون الضحية في مفهوم (القوة)، ويقيني أنهم أدركوا هذه الهوة الكبيرة بينهم وبين إسرائيل في ميدان القوة.
لكن العرب لم يتعظوا ولم يستفيدوا من التجارب السابقة ولم يقرأوا التاريخ وقبلوا بأن يكونوا الأمة الأضعف في ميدان التسليح، بل أن معظمهم انساقوا وراء الخطب والشعارات التي ينادون بها في شأن (القوة)، بل أن بعضهم يسري عليه المثل القائل (كذب كذبة فصدقها) فأصبح الأمر كلام بكلام.
إذا ليس أمام العرب خيار سوى بناء ترسانة (القوة) كما فعلت إسرائيل، القوة بعناصرها الهامة في بنائها وفي مقدمتها التسليح العسكري، فوجود قوة عسكرية عربية متطورة قادرة على حماية السيادة والمكتسبات والثروات..الخ، مهم جدا له القدح المعلى في هذا الزمن صاحب الصراعات والنزاعات والحروب. ولعل الموقع الاستراتيجي للوطن العربي يكمل منظومة قوته لأنه يعتبر مركز العالم لكونه يشرف على بحار تلعب دورا مهما بحساب الجيوستراتيجية مثلما في حركة الملاحة الدولية بوجود باب المندب، قناة السويس. ويأتي العنصر السياسي ليكمل أهمية الأمن القومي العربي فالأمن والاستقرار الداخلي، وعلى الجانب الآخر فان الجانب السياسي الدولي مع المنظومة الدولية يحقق للدول العربية ركيزة هامة لتحقيق الأمن القومي العربي في مجاله السياسي الدولي. ولا شك أن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة، وهم (العرب) يملكون ثروات هامة من نفط وغاز ومصادر طبيعية (وقوة) اقتصادية وثروات زراعية وسمكية، كلها ملك الدول باعتبارها دول (ريعية) وليست ضريبية.
إذاً بإمكان هذه الدول شراء السلاح من كل جهات الدنيا. بل وشراء الـ(Know - how). فحراج بيعهما مفتوح على كل من يملك المال. وإذا أصبح للعرب (قوة) رادعة شراءً وتصنيعاً بأيديهم لا بيد عَمر كما تفعل الدول الأخرى. بهذا فإنها تحمي السيادة والحدود والثغور والشعوب ..الخ.
وتحمي الصديق ويحترمها العدو.
لهذا إذا استطاعت الدولة -أي دولة- بناء قوات مسلحة مجهزة بأسلحة عصرية متطورة فإنها تصبح قادرة على الدفاع عن الدولة وشعبها وسيادتها ونظامها السياسي وحدودها السياسية وأهدافها ومصالحها الحيوية على المستوى الداخلي والخارجي في المنظومة الدولية التي تغيّر وجهها في القرن الواحد والعشرين عنه في القرن المنصرم، بسبب بروز قوى عظمى جديدة خرجت من رحم الحرب الكونية الثانية.
والقوي وحده هو الذي يستطيع ان يفرض إرادته، وهذه الحقيقة أوضح ما تكون في الحروب، فالمهزومون فيها مغلوبون على أمرهم لا يملكون إلا قبول شروط المنتصرين، وقد أوضح الفيلسوف الانجليزي توماس هوبس هذه الحقيقة بقوله (بمعزل عن السيف ليست العقود سوى مجرد كلمات لا تكفي لحماية أي إنسان).
إذاً.. اليوم أصبح ضرورة وليس ترفا استيعاب الدروس والعبر وقراءة المتغيرات والتطورات الدولية المتسارعة والتهديدات الخارجية والمطامع الدولية والإقليمية في المنطقة العربية من الخليج إلى المحيط وهذا يتطلب تشييد بنية إستراتيجية تسليحية تحفظ الأمن القومي العربي في ظل هذه الظروف والصراعات المتلاطمة على المنطقة برمتها.
والله ولي التوفيق،،،