عبدالمحسن بن علي المطلق
قُبيل السحر من نهار الجمعة الموافق مساءه ليلة الـ29 من رمضان، لهذا العام 1446هـ، وكانت ليلة وترية، أي وبإذن الله أحرى تلمّساً لليلة القدر زماناً، والمكان مسجدنا بحي الريان المسمّى على أوّل سُفراء النبي - صلى الله عليه وسلّم- (مصعب بن عمير) -رضي الله عنه-، والذي استُشهد في غزوة أحدٍ..
فحينها، وقد تمّ والحمد لله الصيام والقيام - به- نسأل الله القبول، كان استجمع بـ(دُعاء ختمة) كتاب الله «إمامنا» مسبطراً بها..
وعلى غير ما اعتدنا في كافّة ليالي خوالي رمضان، ولا غرو، فالشهر جلّه مضى وانقضى، والجوائز على وشكٍ..
فاصطحب كلّ منّا مناه بما طلب.. ما ليس على الله ببعيد أن يُجيب.. كل ما ذكرناه، ورجوناه من خيري الدنيا والآخرة، بل يُحفّزنا أن نستكثر بلا منّ من الجواد، للحديث القدسي: (..لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وجِنَّكم وإنسَكم اجتمَعوا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني جميعًا فأعطيتُ كلَّ إنسانٍ منهم مسألتَه لم يُنقِصْ ذلك ممَّا عندي إلَّا كما يُنقِصِ المَخيطُ إذا غُمِس في البحرِ..) أخرجه مسلم -رحمه الله-، الرقم (2577) باختلاف يسير، ما يزيد من ثقتنا، وليس هذا بكثير من الكريم:
سألت الله يجمعني بطلبي
أليس الله يفعلُ ما يشاءُ؟
(بلى) ها هُنا هو الجواب الحتمي..
نعم، ثم أنعم بما صدح به تلكم الليلة إمامنا العزيز (عبدالعزيز الفراج).. وبما مدّه ربّي من أثير الدعاء، ولما لجِماع الأماني التي بعضها ربما احتبسها عن منطقنا ضعف أدوات تعبيرنا، فكان هو.. المُفيض بأسرارها المبدي بما وراءها، درجة أن ظنناه أفضى لختم المُنى، ولا عجب..
فقد كان -حفظه الله- ممن أوتي سلاسة القول، ونظم دُرر المقاصد كأنها خرائز سبحة، وجلجلتهُ بها خيطها، فأدنى حقّه علينا «غزير» الثناء..
و.. هنا أميد مُحاولا ضمّ أفكارها عبر تسلسل بديع اختطّه سائرا به للأولى فالأولى، وهو يختم بنا (كتاب ربنا).
ولإيجاز صنيعه الفائض عن مفرداتي بديعا وإن طاولت، وليس حاولت.. فقط، في (حصر) محاور ما دار عليه دُعـاؤه، بخاصة أنه امتدّ زُهاء (الثلاثين) دقيقة.. على ركائزٌ 6 بالتقريب.
الأول:
وهو ما استهلّ به (حمد) ربنا بما هو أهلٌ له، طرقاً لبعض مما يستحق الحق.. سبحانه (إذ لا نحصي ثناء عليه)، مهما حاولنا أو من العبير لعظيم شأنه بلغنا.
والثاني:
حق رسولنا - صلى الله عليه وسلّم- في إتمام إبلاغه للدين، والشهادة على ذلك، لما روى البخاري -رحمه الله- من حديث: (.. هل بلغت)؟، قالوا: نعم قد بلغت، قال: (اللهم اشهد، اللهم اشهد)، كما في خطبة يوم عرفة، وعلّق ابن باز -رحمه الله- (.. إذا كان سيد الخلق وأفضلهم عليه الصلاة والسلام كرر البلاغ والبيان حتى تقوم الحجة وتنقطع المعذرة، فلنا فيه - بهذا - الأسوة) ثم ذكّر -رحمه الله- بالآية: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.
الثالث:
عن (أنفسنا..)، مما يغشاها من تقصير في أداء العبادات، فهي بين سنديان تثاؤبها، ومطارق المشاهي.. وهي تترا!، ولعله ذلك آتٍ من قِبل الجهل أو التسويف لدى سوادنا!، فهل هذه تسللت في خضمّ غفلة!، ونُصح المشفق-صلى الله عليه وسلم-: (اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك). (رواه الحاكم في المستدرك).
والآخيرة - الغفلة-.. (آفة) الكل واقع في مواخيرها.. إلا ما شاء الله، فربي رحمتك، والرجاء أن تُعاملنا بما أنت أهله،لا لما نحن أهلُ له.. فنهلك!
والرابع:
حق الوالدين، فتبعاً الأسرة والأبناء.. -معاً-، ثم من بعدهم، ممن تتسلسل -لهم- الحقوق علينا، يرفد هذه حديث: (وابدأ بمن تعول).
والخامس:
ما لكافة المسلمين علينا، والأموات بخاصة، وقد (انقطعت بهم السُّبل)، ولم ينس - رضي الله عنه- من كانوا بالعام معنا.
مُعرّجاً لحقوق من ضاقت بهم دنياهم أو ضامهم بقية الأمّة من مددٍ واهن، سوى في الدعاء، فربي لطفك!، وهو أقل واجب حين تحلّ المواجب.. ولا شك أني أعني أهل العزّة بعصرنا (..غزّة) بخاصة، وجِراح المسلمين بعامة.
والسادس:
والأخير عما يعور عملنا من نقص ولعل غالبه من جبلّة هي بنا، {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} (14) سورة الملك.. الجواب الحتمي/ بلى..
وهذه وهي من الأهميّة بمكان للآية: {ومَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} (74) سورة الحج، بها بسط -أجزل الله له المثوبة- في اعتذار للمولى تعالى حول هذا..، مختتماً بجوامع الدعاء التي رأس سنامهن: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} (201) سورة البقرة.
فربي يحفظه ويكرمه ويثبته، ثم لا يحرمه من كريم ما اكتنزنا له ولا يخليه منه، مع (خلوص) حب لِله فيه، ومكانة - مقام- له بيننا، فالدعاء بالغيب له، ووالديه وعلمائه، بخاصة أن أخذنا أكرمه مولانا بتدرج شرعي، كما تبين آنفاً، فمضى عبر وهادٍ امتشقها ببليغ الجُمل، ورصين الكلمات، مع فخامة عبارات.. جعلتنا نؤمّن.. بلا احتراز.
هذا وقد كان يكرر من الإلحاح.. المندوب له شرعاً حال الدعاء، وبالمناسبة والذي هو إحدى ركائز (الاستجابة)، فالنبي- عليه الصلاة والسلام- نُقل لنا أنه يكرر الطلب، والقول أيضاً (ثلاثاً).
فرضي عنكم يا ابن عبدالله.. وزادكم وحفظكم وثبتكم المولى تعالى.. إلى المعاد {وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}.. به لربً العباد..