عبدالله إبراهيم الكعيد
في البدء لا بد من الإيضاح بأنني لستُ ممن يعترضون على كتابة النصوص الإبداعية باللهجات المحلية. لكنني أرفض ولا أستسيغ بأي حال تشويه أبجدية لغتنا العربية وحروفها كتابةً ونطقا.
كيف يمكن مثلا استساغة قلب حرف (الجيم) إلى (ياء) كقولهم: ديايه بدلاً دجاجة، أو إبدال حرف (الكاف) إلى (جيم) معطّشة كقولهم: (شفيج) وهم يعنون (ماذا بكِ) وكتابة حرف (الذال) بدلاً من (الزاي) في قولهم: غذير وهم يعنون غزير والعكس بالعكس إلى آخر تلك القائمة.
سألت تطبيق الذكاء الاصطناعي (ChatGPT): هل مفردة (وايد) كلمة عربية؟ تخيلت بأنه قد امتعض قبل أن يُجيب: كلمة (وايد) ليست عربية فصيحة. هي كلمة مستخدمة في بعض اللهجات الخليجية وتعني كثير. أصلها يعود إلى اللهجة الفارسية.
أعود وأكرر بأنني لا أقصد السخرية من لهجات أيّ مجتمع لكنني أستغرب استخدام تلك المفردات في منصات الهيئات الثقافية الرسمية. تخيلوا فيما لو تم اختيار نصوص بلهجات تلوي أعناق الحروف العربية ثم يتم إقرارها في مناهج التعليم، كيف سيكون حال لغتنا العربية الخالدة؟
صحيح أن تلك المفردات مغرقة المحليّة غزتْ ميدان المسلسلات الدرامية إلا أنها تعني مجتمع معين أي إنها لا تُمثل بقيّة مجتمعات المنطقة الأخرى وأهل الدراما أدرى بشعابها، لكن أن يسوّق لهذا التشويه في منصة تابعة لهيئة الأدب والنشر والترجمة وهي إحدى هيئات وزارة الثقافة في بلادنا فهو مصدر العجب.
دعوني أروي لكم الحكاية باختصار:
أثناء تجوالي في بهو أحد منافذ السفر وجدت في مكان بارز لوحة تحث على القراءة (وهي بالمناسبة مبادرة حضارية نفّذتها هيئة الأدب والنشر والترجمة في عدة أماكن تحوي تجمعات بشرية كثيفة) ولتعالقي مع القراءة في كل وقت وجدتني مدفوعا لخوض التجربة سيّما وقد كان لدي من الوقت ما يكفي قبل السفر. التقطت صورة للرمز ثنائي الأبعاد (QR code) ثم فتحت الخيارات واخترت صفحة (يلاّ نقرأ) لا أدري لماذا لم يكتبوا (هيّا نقرأ)!
بدأت بالاستماع فإذا بالمتحدث يلوك المفردات إياها فيقول: (ييب) وهو يقصد فيما أظن (يجيب) والأخرى (ماكو) تلك لا أعرف معناها، وغيرها وغيرها، إنما الطامة حين قال: حضّروا كوب قهوة أو (تشاي) أو (شيشة) أي والله قال شيشة!! حينها أُصبت بالذهول. معقولة منصة رسمية تدعو للتدخين بدلا من مكافحته؟
صفوة القول: من الإنصاف أن نشيد بمبادرات هيئة الأدب والنشر والترجمة تلك التي تهدف إلى تحبيب أفراد المجتمع بالقراءة والوصول اليهم أينما كانوا، وبنفس الوقت يحق لنا أن نطالب بتنقية ما يتسلل إلى منصاتها مما يُعكّر نقاء الأدب.