د. عيد بن مسعود الجهني
مضيق هرمز جزء لا يتجزأ من المنطقة، فقد كان عبر التاريخ مرتكزاً لأطماع الدول الكبرى وصراعاتها للسيطرة عليه فلعب ولا يزال يلعب دوراً إقليمياً ودولياً مهماً في حركة التجارة الدولية.
هذا المضيق الإستراتيجي بالغ الأهمية يضم عدداً من الجزر الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى، طنب الصغرى، وأبو موسى) وجزر (قشم، لاراك، هرمز) الإيرانية ويبلغ عرض المضيق 50 كم (34 عند أضيق نقطة) ويبلغ عرض ممري الدخول والخروج منه للسفن ميلين بحريين أي (10.5كم) أما عمقه فيبلغ (60م فقط)، ومن أهم الحوادث التي وقعت في المضيق ولم تعطّل المرور فيه تصادم الغواصة الأمريكية (هارتفورد) والسفينة الحربية الأمريكية (نيو أورليانز) في 20 مارس 2009، عندما كانتا تقومان بعمليات مناورة، وهذا يؤكد مدى خطورة الملاحة في هذا المضيق.
إنه يعد من أهم الممرات والقنوات المائية في العالم إن لم يكن أهمها وأكثرها في حركة السفن، ومن تلك المضايق باب المندب بين جزيرة العرب وإفريقيا، مضيق كاليه بين فرنسا وإنجلترا، مضيق موزامبيق بين مدغشقر وجنوب إفريقيا، البوسفور، والدرنديل، جبل طارق، مضيق سوند عند مدخل بحر البلطيق، مضيق ماجلان في جنوب أمريكا الوسطى والمضايق التركية.
ومضيق باب المندب يعد مفتاح الملاحة الرئيسي في البحر الأحمر ويبلغ إتساعه 96 ميلاً، يصل البحر الأحمر بخليج عدن والمحيط الهندي وتطل عليه أربع دول، فعلى ساحله الغربي تقع اليمن، وتقع أثيوبيا وجيبوتي على ساحله الإفريقي ومفاتيح باب المندب موزعة على عدد من الجزر والنقاط الإستراتيجية أهمها جزيرة ميول، قمران، الشيخ سعيد، جيبوتي وسومطرة.
وإذا وضحت الإستراتيجية بالغة الأهمية لمضيق هرمز بوابة الخليج العربي، وعنق الزجاجة في شريان الملاحة البحرية لدوله المطلة عليه وللعالم الصناعي المتعطش دائماً للنفط، وباب المندب الذي يعد حلقة الوصل بين قارات إفريقيا وآسيا وأوربا والعالم، لأدركنا أن الخليج العربي بنفطه وإستراتيجيته، والبحر الأحمر الذي يحتضن باب المندب، لقلنا إن بلاد العرب بقنواتها (قناة السويس) ومضيق هرمز وباب المندب هي قلب العالم الإستراتيجي، وهي رئة العالم في النفط والغاز.
الجدير بالذكر أن هذه المضايق عرفتها المادة 16/4 من اتفاقيات جنيف عام 1958 قائلة بأن المضيق (ذلك الذي يخدم الملاحة الدولية ويصل جزءاً من البحر العالي بجزء آخر أو البحر الساحلي لدولة أجنبية)، والقانون الدولي وقانون البحار يجعلا المرور في المضايق حراً لمراكب جميع الدول وسفنها وليس للدولة صاحبة الإقليم أن تمنع المرور منه دون داع، والإتفاقية الدولية لقانون البحار لعام 1982 نصت صراحة على أن جميع السفن العابرة للمضايق الدولية مدنية كانت أو عسكرية من حقها المرور العابر دون تمييز أو عراقيل رغم أن تلك الاتفاقية أعطت الدول المطلة على المضيق حقوقاً محدودة لتنظيم المرور العابر من خلال المضيق، وبالطبع فإن السفن الناقلة للبترول تأتي في المقدمة.
قلنا إن منطقة الخليج ومضيق هرمز الذي يفصل بين مياه الخليج العربي من ناحية ومياه خليج عمان وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة أخرى هو جزء من هذه المنطقة، كانت بالأمس ميداناً للصراع الدولي بسبب الإستراتيجية المهمة لحركة التجارة الدولية، أما اليوم وتحديداً منذ اكتشاف النفط في هذه المنطقة فقد أصبح الاهتمام بها بسبب النفط أولاً ثم بسبب الإستراتيجية ثانياً، هذا لأن منطقة الخليج العربي يبلغ احتياطيها المؤكد من النفط أكثر من (868) مليار برميل، ودول مجلس التعاون الخليجي الست وحدها يبلغ احتياطيها النفطي المؤكد أكثر من (514) مليار برميل.
وهذه الكميات الضخمة من نفط الخليج لا بد لها أن تصدر عن طريق المضيق باستثناء النفط السعودي، حيث يوجد له منافذ أخرى، فمنافذ تصديره إلى الأسواق العالمية تتعدد من موانئها على البحر الأحمر التي يمكن استخدامها في حالة تعرض المضيق للإغلاق، وهذا المضيق المهم تعبره يومياً حوالي 30 ناقلة نفط بمعدل ناقلة نفط عملاقة كل (5) دقائق في ساعات الذروة تحمل ما بين 18 - 21 مليون ب/ي يمثّل حوالي 35 في المئة من النفط المنقول بحراً على المستوى الدولي 20 في المئة من احتياجات العالم من النفط.
دول الخليج العربي منذ سنوات مضت وهي تدرس عدة خيارات بديلة لتصدير نفوطها بعيداً عن المرور بالمضيق وذلك عبر خطوط الأنابيب القائمة وتشمل: خط أنابيب بترولاين من الشرق للغرب بطول 1198 كيلومتراً ويقطع السعودية من شرقها لغربها وتبلغ طاقته اليومية خمسة ملايين برميل، خط الأنابيب العراقي - التركي وتبلغ طاقته 290 ألف برميل يومياً، إلا أن طاقته محدودة بسبب إغلاق جزء مهم منه، خط الأنابيب الإستراتيجي من الشمال للجنوب وهو مغلق بسبب الدمار الذي لحق به خلال حرب العراق، وتبلغ طاقته 1.4 مليون برميل يومياً إذا تم إصلاحه.
الإمارات العربية المتحدة دشنت تصدير أول شحنة من النفط بمنتصف يوليو 2012 دون المرور بالمضيق عن طريق خط أنابيب النفط الممتد من حقول (حبشان) في أبوظبي إلى ميناء الفجيرة على المحيط الهندي، ويبلغ طول الأنبوب الذي يربط بين حقول إنتاج النفط من (حبشان) في إمارة أبوظبي إلى ميناء الفجيرة على الساحل الشرقي لدولة الإمارات 423 كيلومتراً، وبلغت تكلفته 4.2 مليار دولار والخط يستطيع نقل ما يصل إلى مليون و400 ألف برميل من النفط يومياً يمكن زيادتها إلى مليون و800 ألف برميل يومياً كحد أقصى، مما يعني أن نحو 70 في المائة من إنتاج الإمارات النفطي البالغ أكثر من 3 مليون ب/ي يمكن تصديره عبر الفجيرة.
وفي رأينا أن دول الخليج العربي خصوصاً دول المجلس لا بد لها من وضع الخطط والإستراتيجيات لتبني مشروع خط تابلاين خليجي لنقل نفوطها متجاوزاً مضيق هرمز، ومما يؤكد هذا الرأي أن معظم حقول البترول في دول مجلس التعاون خصوصاً تقع على شريط جغرافي واحد على الساحل الغربي للخليج العربي من شماله إلى جنوبه، وإذا تعاونت دول المجلس لإنشاء خط أنابيب مشترك لنقل نفوطها خارج المضيق لتصل إلى خليج عمان أو بحر العرب اللذين يرتبطان بالمحيط الهندي أو البحر الأحمر، فإن مثل هذا المشروع العملاق إذا ما تم التوافق على إنشائه له فوائد اقتصادية عظيمة منها التقليل من تكلفة النقل وسيقصر مدة وصول الناقلات إلى الموانئ داخل الخليج العربي، وسيؤكد ارتباط دول المجلس حقاً في مشروعات اقتصادية كبيرة مشتركة.
ولكن من يقرأ التاريخ العسكري الإستراتيجي يدرك أن إيران ليس بمقدورها إغلاق المضيق بشكل قطعي فهذا يعرضها وأمنها لخطر محدق، بل إنه يعتبر انتحاراً عسكرياً وسياسياً واقتصاديا لها، لأن العالم لن ولم يذعن لإرادة ذلك البلد الذي يحصل على حوالي نصف إيرادات ميزانيته من صادرات النفط التي تمر عبر المضيق، وإغلاق المضيق نتيجته الحتمية ارتفاع كبير في أسعار النفط، لكن الدول المستهلكة ستتعايش مع ارتفاع الأسعار من خلال ضخ بعض ما تحتاجه من مخزونات النفط لديها وقد فعلت ذلك من قبل في حرب العراق على الكويت مثلاً، رغم أن ارتفاع الأسعار سيفاقم من مشكلة تقهقر نمو الاقتصاد العالمي.
وفي ظل الحرب الإسرائيلية - الإيرانية التي بدأتها إسرائيل بضربة جوية موسعة ضد إيران مستغلة تفوقها في السلاح الجوي، والرد الإيراني على الضربة الأولى الإسرائيلية التي طالت معظم المواقع النووية الإيرانية وما تلاها من ضربات تشكّل إنذار بإمكانية توسع الحرب الأمر الذي يمثل إخلالاً بأمن المنطقة وتأثر إمدادات الطاقة وارتفاع أسعار النفط الذي قفز خلال اليومين الأوليين للحرب بنسبة 7 في المئة.
وإذا طالت مدة الصراع وتأثر المضيق بالتهديد الإيراني الجاد لإغلاقه رغم أن هذا يعد انتحاراً سياسياً واقتصادياً لإيران نفسها فإن الأسعار ستبلغ الثريا فقد تعانق عتبة المئة دولار في أولى مراحل التهديد بإغلاقه، وستزحف سريعاً إلى مئتي دولار وأكثر.
ولعل إسرائيل وإيران يحكِّمان العقل والحكمة، ودول العالم وفي مقدمتها دول مجلس التعاون وأمريكا يمهدان الطريق نحو سلام تحتاجه المنطقة والعالم قبل أن يعم الخراب والدمار كلاً من إسرائيل وإيران ليذوقا مرارة آثار الحرب الدموية عبر التاريخ. والله ولي التوفيق
** **
- رئيس مركز الخليج العربي لدراسات واستشارات الطاقة