محمد بن عبدالله العمري
أستطيع بدءاً أن أصف السياحة السعودية بأنها قطاع تنموي يسير مع بقية القطاعات الاقتصادية والخدمية والتنموية لإيجاد اقتصاد متكامل يصب في الناتج القومي السعودي، وإن تحدثنا اليوم عن ما شهدته المملكة العربية السعودية خلال عامي 2024 و2025 من طفرة نوعية في قطاع السياحة والذي كان ولا يزال يُعتبر أحد المحركات الرئيسية لدفع عجلة الاقتصاد الوطني، ضمن مستهدفات الرؤية المملكة يقودها -بتوفيق الله- سيدي سمو ولي العهد الأمين الأمير محمد بن سلمان وبدعم لا محدود من مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظهما الله ورعاهما.
وإذ أتحدث في مقالي هذا عن السياحة فإنني سآخذها من منطلق تنوع أشكال السياحة في المملكة (بين سياحة الأعمال والمؤتمرات وسياحة الطبيعة والتاريخ والسياحة الدينية والعلاجية وسياحة المهرجانات والرياضة وغيرها إضافة إلى السياحة الداخلية التي تم دعمها خلال السنوات الأخيرة بإجازات دراسية مطوّلة ونشاطات ترفيهية ورياضية كبرى).
فإن تحدثنا عن السياحة الطبيعية فهي من وجهة نظري تنمية مستدامة وجذب عالمي في ظل بروز وجهات متفردة مثل نيوم، العلا، وسواحل البحر الأحمر كوجهات سياحية طبيعية عالمية كون مشاريعها تميزت برؤى مبتكرة تعتمد على الاستدامة البيئية والتقنية الحديثة، مما جعلها نقاط جذب رئيسية للسياح من الداخل والخارج، أسهمت في خلق وظائف جديدة وتحفيز النمو في قطاعات النقل، والخدمات، والضيافة إضافة إلى وجهات قائمة في عسير والباحة والطائف والأحساء والمناطق الشمالية والوسطى والغربية والجنوبية والشرقية.
وإن تحدثنا عن السياحة التاريخية فبلا شك إن إحياء التراث وتفعيل الهوية قد انعكس على الثراء التاريخي، حيث شهدت مواقع مثل الدرعية التاريخية ومدائن صالح وجدة التاريخية عمليات تطوير واسعة جعلتها ضمن أبرز الوجهات الثقافية وقد لعبت هذه الوجهات دورًا بارزًا في استقطاب المهتمين بالتاريخ والتراث من مختلف أنحاء العالم ومن داخل المملكة مما عزَّز من الصناعات الحرفية، وساهم في تنمية المجتمعات المحلية (وإن كان هناك ملاحظات من قبل محبي سياحة التاريخ والتراث والثقافة عن توقف مهرجان سوق عكاظ بالطائف على الرغم من النجاح المنقطع النظير سابقاً للسوق وفعالياته السياحة والثقافية والاقتصادية والتاريخية والحرفية).
وإن تحدثنا عن سياحة الأعمال والمؤتمرات فقد نجحت الرؤية في أن تكون (الرياض عاصمة القرار)، حيث أصبحت الرياض مركزاً إقليميًا لفعاليات الأعمال واستضافت مؤتمرات كبرى مثل سيتي سكيب والمعارض ذات العلاقة بالاستثمار والتكنولوجيا والطاقة وغيرها، حيث أسهم هذا النوع من السياحة في تنشيط الفنادق والمطاعم والنقل إلى جانب تعزيز مكانة المملكة كمركز اقتصادي وسياسي عالمي.
وفي الآونة الأخيرة ظهر لنا نموذج جديد للسياحة وهو السياحة العلاجية ففي ظل ما شهدت السعودية من تطور في مرافقها الطبية وخدماتها وكفاءة كادرها الطبي واستقطابها لمستشفيات عالمية والتوسع في بناء المستشفيات فقد جعلها تدخل بقوة إلى قطاع السياحة العلاجية، خصوصاً في المدن الكبرى مثل جدة والرياض وقد ساعد المناخ الصحي وتوفر البنية التحتية الحديثة في جذب الباحثين عن العلاج والاستجمام من داخل المملكة وخارجها بالإضافة إلى مناطق طبيعية مثل الهدا والطائف والباحة وعسير (ولو أن ذلك ليس بالمأمول في الوقت الحاضر ولكنني اعتبره خطوة للأمام في هذا النوع من السياحة).
أما ما يخص السياحة الداخلية للمواطنين والمقيمين فقد تطورت المهرجانات والفعاليات، بل وتنوّعت تناسب ذلك مع وجود إجازات دراسية تنعش الوجهات المحلية في ظل ما أسهمت به الإجازات الأسبوعية المطوّلة التي أُدرجت في التقويم الدراسي الجديد في رفع وتيرة السياحة الداخلية، حيث استغلت الأسر السعودية هذه الفترات في استكشاف الوجهات المحلية، وقد واكب ذلك حملات ترويجية موسمية مثل «موسم الرياض» «موسم جدة» «صيف السعودية» و»شتاء السعودية» وغيرها ما أدى إلى ارتفاع نسب إشغال الفنادق والمرافق الترفيهية بشكل ملحوظ.
وإن عرجنا على سياحة الرياضة والفعاليات الكبرى فالمملكة احتلت منصباً متقدماً على خريطة الترفيه والسياحة العالمية فقد عزَّزت الأحداث الكبرى مثل رالي داكار السعودية، وبطولات السوبر الإسباني والإيطالي والنزالات الرياضية المتنوعة الأخرى وما ستحمله السنوات القادمة من استضافة بطولات دولية وإقليمية مهمة سواء بطولات آسيا أو بطولة كأس العالم 2034م.
كل ما تقدم وغيره (عزَّز) من صورة المملكة كوجهة سياحية ديناميكية ومتعدِّدة الأبعاد، حيث أسهمت هذه الفعاليات في جذب شرائح متنوعة من السياح، ورفع معدلات الإنفاق في قطاعات التجزئة والمطاعم والخدمات والنقل الجوي والبري والبحري وكذلك مفهوم (المترو) وأثره الإيجابي في القادم من الأيام.
أختم مقالي هنا بما يخص العُمرة والزيارة وكيف ساهمت في تسهيل توفير فرص العمرة والزيارة لجميع مسلمي العالم أكثر من أي وقت مضى حيث واصلت المملكة تسهيل واتباع وابتكار الخدمات لها منذ (تفكير المعتمر في الحصول على فرصة العمرة إلى أن ينتهي من أدائها) تزامناً مع التوسع في تسهيلات العمرة وزيارة المدينة المنورة، حيث شهد عامي 2024 و2025 ارتفاعاً ملحوظاً في أعداد المعتمرين بفضل التحديثات في التأشيرات الإلكترونية، واستمرار تطوير الخدمات في الحرمين، مما انعكس بشكل مباشر على نمو قطاعات الطيران، والإيواء، والبيع بالتجزئة.
خاتمة:
تؤكد أرقام عامي 2024 و2025 أن السياحة السعودية لم تعد مجرد قطاع داعم، بل أصبحت عنصرًا إستراتيجيًا في تنويع الاقتصاد الوطني، وتعزيز الاستدامة، ورفع جودة الحياة. وبفضل مشاريعها العملاقة ورؤيتها الطموحة، تسير المملكة بخطى واثقة نحو أن تصبح إحدى أهم الوجهات السياحية على مستوى العالم.
فإلى الأمام يا بلد العطاء ويا مهبط الوحي ويا قادة صناعة التحولات الوطنية والاقتصادية محلياً وعالمياً.