د. عيد بن مسعود الجهني
اليوم، للأسف، الأمة وأمنها القومي يواجهان تحديات غير مسبوقة، تهدد أمنهم واستقرارهم، وإذا كان الأمن القومي في تعريفه المبسط، يقصد به (قدرة الدولة -أية دولة- على حماية قوتها الداخلية والخارجية والعسكرية ومكتسباتها الاقتصادية في مختلف مناحي الحياة لمواجهة الأخطار والتحديات التي قد تهددها على المستوى الداخلي والخارجي).
وقد أكدت لجنة الشؤون الخارجية والسياسية والأمن القومي بالبرلمان العربي أن مفهوم الأمن القومي العربي هو مفهوم دفاعي ووقائي يشمل بأن الأمة العربي جماعة أمنية واحدة ذات هوية واحدة، وفي تعريف آخر في نفس البرلمان يذهب إلى القول إن قدرة الأمة العربية تتحقق في الدفاع عن نفسها وعن حقوقها وصون استقلالها وسيادتها على أراضيها.
وإذا أخذنا هذا التعريف كمثال، وعرفنا أن الأمن القومي يتكون من مبادئ تنبع من طبيعة الأوضاع الداخلية والخارجية للدولة، يتضح أن الأمن يركز على عناصر عديدة إذا توفرت فإنها تحقق للدولة أمنها واستقرارها من خلال حماية مصالحها ومكتسباتها وتنمية مواردها ودعم سياساتها.
وتبرز أهمية الأمن القومي العربي، فلا أمن ولا أمان ولا تنمية ولا استقرار ولا نجاح بعيدًا عن تحقيق غايات الأمن القومي للدولة، برغم ما قد تمتلكه من مقومات مادية أو ثروات بشرية أو موقع استراتيجي أو حتى قوة عسكرية مدمرة، فالأمن القومي يعمل بشكلٍ متوازٍ على تأمين كيان الدولة وتحقق السياج الأمني ضد المخاطر المحتملة وتأمين المصالح داخليًا وخارجيًا، وهو ما يسهم في تهيئة المناخ الداعم للتنمية المستدامة.
والأمن القومي العربي في مفهومه الدولي يعبر عن اهتمام الدولة بتدعيم القوى العسكرية، إذ إنها تمثل قوة الردع التي تحمي مقدرات الدولة من خطر استخدام الآخرين للقوة ضد مصالح الدولة، أو من يستهدفها بالقوة، أو يؤثر بشكل مباشر على مصالحها القومية الوطنية.
القوة العسكرية مثلا تعتبر العمود الفقري لتحقيق أمن ورخاء وازدهار الدولة، والقوة الاقتصادية هي الأخرى إذا كانت إدارتها رشيدة تدعم سياسات الدولة داخليا وخارجيا، والطاقة من نفط وغاز وجميع الموارد الطبيعية باعتبارها عناصر مكونة للأمن وترتبط ارتباطا وثيقا بمفهوم عناصر قوة أمن الدولة.
وكل هذه المرتكزات الهامة من الثراء تتوفر في معظم الدول العربية وما تحتاجه سوى إدارة الثروات بشكل علمي رشيد.
إذاً، القوة العسكرية تعد الأكثر أهمية وفاعلية، إعدادها ضرورة وليس ترفا، وعدم بنائها يزيد من حدة التهديدات والأخطار التي قد تواجهها مما قد يؤدي إلى إنهيارها أو قد يجعلها عرضة لسيطرة وحماية دولة أخرى.
ومنطقتنا العربية اليوم، تمر بمتغيرات وتطورات سياسية وعسكرية وإستراتيجية واقتصادية وتقاسم نفوذ خطير في تاريخها الحديث تترك آثارها السلبية على الأمن القومي العربي وكل واحدة من تلك الأحداث أكبر من أختها، والمتابع لتلك التطورات قد يرى أن هناك سحبا قاتمة قادمة.
هذه هي حالة الأمن الذي في زماننا هذا أصبح عليلا بعد أن كان متعافيا إلى حد كبير في القرن المنصرم، وبهذا فإن هذا (المريض) يواجه تحديات كل واحدة أكبر من سابقتها، وكلها مسلطة على جسد هذا الأمن الذي طالما حلمنا (بقوته).
من هذه التحديات الدولة العبرية، عدو الأمس واليوم وستبقى رغم عمرها القصير في التاريخ، إلا أنها أصبحت (قوة) كبرى بدعم أمريكي غير محدود، تمتلك أكبر ترسانة عسكرية في الشرق الأوسط بتكنولوجيا متطورة، تعتبر امتدادا للتكنولوجيا الأمريكية، وكأمثلة على حجم قوتها تحتضن حوالي (250) رأس نووي، تدعمها صواريخ يبلغ مداها مابين 1500 و4000 كيلو متر تستطيع حمل رؤوس نووية.
وفي ميدان القوة التقليدية تمتلك أكثر من 1400 دبابة صناعة أمريكية وإسرائيلية، إضافة إلى 4400 مدرعة متطورة و650 مدفعا ذاتي الحركة و300 مدفع ميداني، إضافة إلى 150 راجمة صواريخ، 1400 طائرة منها 241 مقاتلة و39 طائرة هجومية و12 طائرة شحن عسكري، إضافة إلى 155 طائرة تدريب و23 طائرة لتنفيذ مهام خاصة و196 مروحية عسكرية و(5) غواصات، وسفن حربية.. إلخ، وبتعريف عسكري مبسط تعتبر إسرائيل (قوة) عسكرية مدمرة.
فكل دولة تسعى لبلوغ ناصية القوة من خلال بناء إستراتيجية عامة للدولة لحماية سيادتها وأمنها القومي الذي أصبح الشغل الشاغل للأمم والدول على مر العصور والأزمان، و(القوة) هي المقصودة بتعريف الأمن القومي بأنه القدرة على توفير أكبر قدر من الحماية والاستقرار للدولة وسيادتها وحمايتها ومواطنيها من التهديدات الداخلية والخارجية.
وإذا خلصنا إلى أن الأمن القومي العربي يواجه العديد من التهديدات، فان الخيار الأهم للدول العربية بناء القوات العسكرية والتعاون العسكري بينها ليبرز دور الدول على المستوى الإقليمي والدولي عندما تصاغ إستراتيجية لمواجهة التحديات التي تواجه الأمن القومي العربي وبناء (القوة).
ومما يؤكد ما ذهبنا إليه أن إسرائيل وإيران منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن أعلنتا أهدافهما، طهران صرحت مرارا وتكرارا خاصة في ولاية نجاد أنها عازمة على مسح إسرائيل من خريطة العالم، والدولة العبرية أعلنت أنها تتعهد بتدمير إيران خاصة مشروعها النووي.
حرب الـ(12) يوما خرجت من رحم هذا النزال الإعلامي بين الدولتين الذي زادت حدته في فترة تولي نتنياهو السلطة في إسرائيل، الذي أعلن شن الحرب على إيران لتدمير برنامجها النووي، ومعه برنامجها الواسع للصواريخ، فكانت ضربات الطائرات الإسرائيلية والمسيرات التي جاءت في موجات متعددة مستهدفة مواقع نووية وبرامج الصواريخ وغيرها.
الإيرانيون في اليوم الثاني ردوا مستعملين صواريخ متعددة الأنواع والمسافات إضافة إلى المسيرات مستهدفين مواقع عسكرية ومدنية، كلا المتحاربين أعلن أنه هو المنتصر في الحرب، لكن القول الفصل عند السيد ترامب وإن كانت تصريحاته ينقصها الدقة لاعتمادها مبدئيا على الأقمار الصناعية، فهو ترامب أكد أن الضربات التي نفذها الجيش الأمريكي دمرت المنشآت النووية المستهدفة بشكل كامل.
ووزير دفاعه يوافق الرئيس فيما ذهب إليه، هذا التأكيد جاء بعد أن دخلت أمريكا الحرب إلى جانب إسرائيل مستعملة طائرات B52 وغيرها التي ألقت (14) قنبلة كل واحدة منها تزن (30) ألف رطل.
ورغم ماقيل حول مصير اليورانيوم الإيراني المخصب وملأ الغمام فإسرائيل والبيت الأبيض أكدوا التدمير الكامل لمشروع إيران النووي، وإيران تؤكد ان (400) كغ يورانيوم مخصب بنسبة 60% قد تم نقله إلى مكان آمن، وفي علم الذرة هذه الكمية اذا زاد تخصيبها إلى أكثر من 90% فإنها تكفي لصناعة مابين 9 و10 قنابل نووية.
وإذا كان السيد ترامب الداعم الأول لإسرائيل فإنه هو الذي أصدر قرار وقف إطلاق النار، وهذه هي لعبة الحروب، بعد أن أسقطت طائرات بلاده القنابل الرهيبة على المنشآت النووية الرئيسية الإيرانية.
والله ولي التوفيق،،،
** **
- رئيس مركز الخليج العربي لدراسات واستشارات الطاقة