د. عبدالرحمن أباذراع
في زمنٍ تتراكم فيه الممتلكات وتُلبّى الرغبات بضغطة زر، تزداد المفارقة النفسية وضوحًا: كلما زاد الرفاه، زاد الإحساس بالفراغ.
يقول عالم النفس إريك فروم: «الإنسان المعاصر يملك كل شيء إلا نفسه.»
ففي مجتمع الرفاهية الزائدة، تُسدّ حاجات الجسد وتُهمل حاجات الروح، فينشأ نوع جديد من الألم: الفراغ الوجودي.
يحكي أحد الأطباء النفسيين قصة شابٍ في العشرين من عمره، وُلد وفي فمه ملعقة من ذهب، لم يعرف الحرمان يومًا، ومع ذلك كان غارقًا في الاكتئاب. وحين سُئل: «ما الذي ينقصك؟» أجاب: «لا أعرف طعم النقص كي أقدّر ما لدي، كل شيء متاح حتى أصبحت الحياة بلا طعم.»
إن الرفاهية حين لا يُصاحبها هدف أو معنى، تتحوّل إلى عبء ثقيل.
قال الحكيم الصيني لاوتسو: «من يملأ كأسه باستمرار، فلن يملك ما يشرب.»
وحذرنا ابن خلدون منذ قرون من أن الترف الزائد يولّد التراخي، ثم الانهيار.
بل حتى في الشعر، نجد من قال:
إذا الغنى لم يُغنِ عن نفسٍ من القلقِ
فالفقرُ أولى بمن عاش بلا قلقِ
ليست المشكلة في النعم، بل في طريقة إدراكنا لها. فالرفاهية إن لم تُقابل بشكرٍ وغاية، فإنها تتحول إلى سجنٍ مزخرف، ويفقد الإنسان بوصلة الشعور الحقيقي.
عبرة نفسية:
حين يمتلئ الجسد وتفرغ النفس، تبدأ الروح بالشكوى على هيئة قلق واكتئاب وضياع.
ابحث عن المعنى لا عن المزيد، فالمعنى هو الرفاه الحقيقي.
** **
- إعلامي وأكاديمي