هياء الدكان
الإعلام والاتصال المؤسسي ليسا مجرد نشر أخبار أو إدارة منصات تواصل اجتماعي، بل هما نافذة المؤسسات على المجتمع والعالم، ولسانها الصادق الذي ينقل صورتها وقيمها وإنجازاتها.
وأكتب هذه السطور بوعيٍ تراكَم عبر سنوات طويلة من العمل في الإعلام الميداني، والتجربة الصحفية، وخدمة قطاع التعليم والمجتمع والاتصال المؤسسي، مؤمنة أن الإعلام المؤسسي يمكن أن يكون أكثر إنسانية وتأثيرًا إذا أُدير برؤية واضحة واحترافية وفريق ملهم.
خلال مسيرتي أدركت كيف يمكن لكلمة مكتوبة، أو صورة ملتقطة في لحظة، أو تقرير صحفي صادق، أن يفتح أبوابًا من الفرص، ويبرز كفاءات كانت في الظل، ويرفع الروح المعنوية داخل المؤسسة وخارجها يبقى أثره ويزيد دافعية أعضاء الفريق ومنسوبي القطاع.
ومن هنا تولد هذه الرؤية العملية، أهديها للعاملين في الإعلام والاتصال المؤسسي، من قلبٍ أحب الإعلام وأهله وتشرب من عطاءاته، وللمتميزين الذين كان لي شرف الالتقاء بهم أو الكتابة عنهم أو تغطية إنجازاتهم ومخرجاتهم، لعلها تكون خريطة طريق نحو أداء نوعي إبداعي فريد. فالإعلام المؤسسي يبدأ بالإنسان.. وأي إدارة إعلامية ناجحة تحتاج إلى فريق من أصحاب الخبرة والشغف، يعرفون كيف يكتبون ويصورون ويحررون يدعمون فإن كان أحدهم لا يستطيع الدعم ولا العمل ضمن فريق فهو متفرد وليس فريدا: إذاً لا يستطيع أن يصنع التميز ويبدعون معاً. وجود كاتب محتوى متمرس، مصور محترف، متحدث لبق، ومدقق لغوي يجيد العربية الفصحى، ليس رفاهية بل ضرورة. فالكلمة التي تخرج من المؤسسة تمثلها، وتبني صورتها أمام جمهورها.
والمدقق اللغوي في الإعلام المؤسسي هو خط الدفاع الأول عن المهنية، صياغة الأخبار والتقارير تحتاج لغة سليمة وأسلوبًا إعلاميًا رشيقًا، وحبكة جميلة، وكذلك مدقق محتوى خبير لديه عمق في الفهم وخبرة في المجال روح الفريق والتخصص وإدارة ملهمة -بإذن الله- تصنع ذلك كله وأكثر، لأن خطأ واحدًا قد يضعف الرسالة كلها ويغير معناها، وقد يحرج مرجعها.
ومن المهم أن يحصل كل أفراد الفريق على فرص متكافئة في التدريب وتطوير المهارات، مع تقديم المزايا للمختصين الفعليين الذين يتحملون عبء العمل الإعلامي. وفي كل ظهور، تذكّر أنك تمثل المؤسسة، لا شخصك وهذا ينعكس في سلوكك، وطريقة تواصلك، كلماتك، وحتى في مظهرك العام. اللباس المناسب، والالتزام بالمراسم، يعكسان احترام المؤسسة وجمهورها. كما أن المؤسسة الحديثة لا تتحدث بلغة واحدة، إذ يفتح وجود مترجمين للإنجليزية والفرنسية، بل ولغة الإشارة أبوابًا للتواصل مع الجميع دون استثناء.
ومن المهم أيضاً إنشاء ملف صحفي يومي يرصد كل ما يقال ويكتب عن المؤسسة وقطاعها، يحفظ لها أرشيفًا حيًا يساعد في التخطيط، ويعكس صورتها في أعين الناس.. كما يعزز إطلاق منصة إلكترونية خاصة بالمؤسسة يعرض الحوارات، والقصص الملهمة، والفعاليات الحضور الرقمي ويمنح الجمهور نافذة مباشرة لمعرفة ما يجري داخل المؤسسة.
وتحتاج الكوادر الإعلامية كغيرها لتجديد مهاراتها باستمرار من خلال ورش العمل، والدورات المتخصصة، وبرامج تبادل الخبرات مع مؤسسات إعلامية محلية ودولية، إضافة إلى تكريم المميزين كمحفز مهم. ويجدر بالاهتمام الرسائل الإعلامية الصادقة والمدعومة بمعلومات موثوقة ومهنية تبني جسور الثقة بين المؤسسة وجمهورها، وتحمي سمعة المؤسسة. كما يجب على إدارة الإعلام توظيف كل الأدوات التقنية الحديثة، من الذكاء الاصطناعي لتحليل توجهات الجمهور، إلى التطبيقات الذكية لنشر الأخبار بسرعة وفعالية.
ووجود استراتيجية إعلامية متكاملة، تحدد الأهداف والجمهور المستهدف والرسائل بدقة، هو ما يحوّل الجهود المتفرقة إلى إنجازات حقيقية قابلة للقياس.
ومن المهم الحذر من البيروقراطية، وهي التعقيد الإداري المفرط الذي يستهلك الوقت والجهد بلا داعٍ.
ختامًا
الإعلام والاتصال المؤسسي ليسا مهمة إدارية، بل رسالة إنسانية ومهنية، وإذا أدركنا أن كل خبر ننشره، وكل صورة نعرضها، وكل كلمة ننطق بها، يمكن أن تغيّر الانطباع وتصنع التأثير وتدفع عجلة التنمية لا تقيدها، فإننا سنضع أيدينا على جوهر العمل الإعلامي الفريد الذي تستحقه مؤسساتنا.