هياء الدكان
في عالم الكتابة والتواصل، للكلمة وزنها، واختيارها الدقيق ليس ترفًا لغويًا بل هو مفتاح يوصل الفكرة إلى قلب المتلقي وعقله دون تشويش.
غير أن بعض الكلمات، لقربها في النطق أو تشابهها في الوقع، تجرّنا أحيانًا إلى استخدامها في غير معناها الأصيل.
ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك الخلط بين كلمتي «المهمة» و*الهامة»، وكذلك بين «الاستثمار» و»الاستغلال.
المهمة هي ما يتطلب جهدًا ورعاية خاصة لما له من قيمة وأثر، كقولنا: إتمام هذا المشروع مهمة تحتاج إلى تخطيط محكم وصبر طويل، أو مساعدة كبار السن مهمة إنسانية تستحق أن نوليها الاهتمام.
أما الهامة فهي في أصل اللغة الرأس أو الناصية، وتطلق أحيانًا على ذوات السمّ كالحية، أو على بعض الحشرات الطفيلية؛ لذا فإن وصف الشخصيات المؤثرة أو القضايا الجادة بأنها «هامة» غير دقيق، والأفضل أن نقول شخصيات مهمة أو قضايا مهمة، احترامًا للفصاحة ودقة المعنى.
وبالمثل، يختلف الاستثمار عن الاستغلال اختلافًا جوهريًا، الاستثمار توظيف للموارد بذكاء لتحقيق منفعة مستقبلية، كما في استثمار وقت الفراغ في التعلم الذاتي، أو استثمار المؤسسة في تدريب موظفيها مما زاد من كفاءتهم وإنتاجيتهم.
أما الاستغلال فيحمل معنى الانتهازية أو الاستخدام المفرط وغير العادل، كما في استغلال حاجة الناس في الأزمات لتحقيق أرباح باهظة، أو استغلال العاملين بتحميلهم ما يفوق طاقتهم.
والحقيقة أن الفارق بين هذه المعاني ليس مجرد تفصيل لغوي صغير، بل هو فرق في الموقف والمغزى والدلالة، فاختيارك للكلمة الدقيقة هو شهادة على وعيك بما تقول، واحترامك للمعنى الذي تنقله، وصونك للغة التي تحمل رسالتك.
وقد قال الشاعر:
وكم من لفظةٍ في القول أفسدتِ المعنى
وكم من كلمةٍ أحيت فؤادًا وألهما
فاللغة أمانة، والكلمة جسر يعبر بك إلى الفهم العميق والتواصل الصادق. وحين تحسن اختيارها، فإنك تمنح قارئك المعنى الصافي، وتترك في نفسه أثرًا طيبًا يدوم.