هياء الدكان
هل خطر ببالنا يومًا أن نُهيّئ في بيوتنا مدخلًا مناسبًا لذوي الإعاقة؟
قد يكون ضيفُنا القادم من أصحاب الهمم، لكننا، في الغالب، لا نفكّر في ذلك ما لم يكن أحد أفراد البيت بحاجة إلى عربة متحرّكة.
فماذا عن الزائرين؟ هل هم أصلًا في دائرة تفكيرنا؟
قالتها سيدة تستخدم الكرسي المتحرّك:
«أحب الناس ويحبونني، لكن للأسف ليس كل البيوت مهيأة لإمكانية دخولي!»
وفي مناسبة ما، رفضت أخرى أن تُحمَل بالأيدي لتتمكّن من الدخول، فعادت إلى منزلها!
ذوو الإعاقة، صغارًا وكبارًا، هم جزء أصيل من مجتمعنا، توليهم الدولة - حفظها الله - عناية كبيرة، وتسعى المؤسسات لتمكينهم وضمان حقوقهم.
لكن، هل وصلنا فعلًا إلى مرحلة التمكين الحقيقي؟
هل سُهّل لهم الوصول كما ينبغي؟
لنتأمل قليلًا...
في الجهات والدوائر، والمساجد الصغيرة، وبعض المصليات النسائية في الأحياء، وفي الطرقات، والمدارس، والأسواق، والمراكز، والمقاهي، وأماكن الترفيه والنزهة…
هل فكّرنا: لو كنتُ مكانهم، هل ستتمكن من التحرك بحرية؟ تأمل، إن كنت بالخارج الآن!
هل يمكنهم الوصول من لحظة الوقوف إلى باب المكان، ثم إلى ممراته الداخلية، دون عوائق؟
هل الكفيف يستطيع التسوّق بمفرده؟
هل المصاعد مزوّدة بلغة لمسية أو صوتية تتيح له استخدامها دون مساعدة؟
هل هناك من يفهم لغته إذا أشار؟
هل من موظفي الاستقبال أو الأمن مَن يُجيد لغة الإشارة؟ وإن لم يكن، لماذا لا يتم تدريب بعضهم ومنحهم ميزات إضافية تقديرًا لمهاراتهم؟
والموظفون من ذوي الإعاقة، هل يجدون بيئةً حقيقية تفهمهم، وتواكب احتياجاتهم، وتُطوّرهم، وتيسّر لهم تحقيق طموحاتهم داخل المنشأة؟
هل يُمنحون الفرصة لإبداء الرأي والمشاركة في الاجتماعات؟
هل لهم مكانٌ حقيقي في دوائر القرار، يُستشارون فيه، لا يُستشار عنهم؟
فهم أقدر الناس على تشخيص التحديات، وأجدر من يُسهم في تطوير الحلول الواقعية.
والمداخل؟
هل هي مهيّأة في المساجد، وفي دورات المياه، وفي مواقف السيارات؟
كلّها؟ حقًا كلّها؟
فلنتأمل... ولنكن صادقين مع أنفسنا.
والأدهى، حين لا نكتفي بالإهمال، بل نُعيقهم بأفعالنا!
نركن السيارة أمام منحدرهم بحجّة العجلة، أو أننا «لن نطيل»، أو نترك أحذيتنا تسدّ المدخل، دون اكتراث بمن سيأتي بعدنا.
تذكّرت قصة أحدهم، رحم الله والدته الكفيفة، كانت تأتي للصلاة في رمضان وحدها، تمشي واثقة، دون أن يمسك بيدها أحد، لأن أبناءها - جزاهم الله خيرًا - الجميل أنهم زاروا المصلى قبلها، وقاموا بتهيئة الدرج، في مبادرة جميلة منهم، وأضافوا منحدرًا وحاجزًا تستدل به دخلت المسجد واقفة، عزيزة، صامدة، تقبل الله منها وبارك.
كم من أمثالها تمنّى نفس الكرامة، ولكن لم يجد الطريق!
وكم من أمثالهم _وفقهم الله_ من يعمل لأهله أو لمجتمعه محتسباً مجتهداً في مبادرات تطوعية إبداعية متنوعة.
وفي إحدى المناطق، ربط رجلٌ كفيف حبلًا من بيته إلى المسجد، كي لا يحتاج إلى أحد!
موقف بسيط، لكنه عظيم... قصةٌ ملهمة تختصر التحدّي، وتُشعرك بمدى صعوبة ما نعتبره «بديهيًا».
نعم، هناك مبادرات رائعة، وعمل جاد ومستشفيات وأسواق كبرى تُشكر على جاهزيتها.
لكن لا ينبغي أن يُخدّرنا هذا التميّز، فنغفل عن واقع كثير من المنشآت الصغيرة، أو غيرها التي ما زالت خارج دائرة الوعي والاهتمام بالتفاصيل البسيطة، التي قد تعيق بشكل كبير، رغم أنها لا تحتاج إلى فن، ولا إلى تأجيل.
تُناقَش في الاجتماعات، وتُكرّر في الخطط، لكن عند التنفيذ… تغيب أو تسوف.
ويبقى الواقع حبيس الاجتهادات، والوعود، والروتين.
نحن بحاجة إلى فريق عمل تنفيذي سريع، من ذوي الخبرة والقيم الإنسانية العالية، يتابع، ويقيّم، ويتحرّك، ويستمع للمستفيدين أنفسهم.
نحتاج إلى صوتهم، إلى رأيهم، فهم الأعرف والأصدق في تشخيص التحديات، وتحديد الحلول.
نحتاج إلى شيء ينبع من دواخلنا يبني ويقوم وينفذ، ولا نريد أن ننتظر حتى يحدث طارئ، أو نفقد أحدًا عزيزًا، لنفكّر.
وللأسف، بعض الممارسات غير الواعية جعلت حضورهم نادرًا، وغيابهم معتادًا، رغم الجهود والمبادرات.
كلّ واحدٍ منا يستطيع أن يبدأ من موقعه، من منطقته، من محيطه.
أن يعتبر تهيئة المكان جزءًا من مسؤوليته المجتمعية، لأي فرد، ليس ضروريا أن يكون من ذويه بل كل الأفراد له أبناء وإخوة، ويتعاون معهم ويحتويهم قدر جهده واستطاعته والله معه ومع كل عمل طيب.
يسأل، يخطط، يتواصل، ويتابع.
وها هي الجهات المختصّة قد فتحت أبوابها، فهل ننتظر عذرًا آخر؟
فيا من بيده القرار والتصميم، ويا من يرسم الخطط:
تهيئة المكان لذوي الإعاقة ليست ترفًا، بل ضرورة.
هي حق، وإنسانية، وقيمة.
ومن يتقاعس، يستحق المساءلة، كما يُساءل المقصّر في السلامة أو النظافة وكذلك الخصوصية وحفظ الكرامة.
بين أعيننا جملتان:
التصرّف بوعي لا يحتاج إلى غرامة.
واحترام الآخر لا يجب أن يُفرَض بل هو داع إنساني فطري لمن له قلب يصغي يلبي! لا أذنا تسمع فقط.
وللمصمّمين والمصمّمات:
فكّروا عند كل تصميم منزل أو مرفق، بأن يكون المدخل شاملاً مناسباً، واقترحوا على مالك المنشأة أو السكن.
وربما أيضاً يأتي يوم يحتاجه أهله لأي ظرف.
ومن أجمل صور الاحترام، أن نُصمّم منازلنا بمداخل مرنة، تسهّل الدخول على الجميع، وتستقبل كل ضيف باحتواءٍ يليق به.
حينها، سيكون المكان مهيأ…
لكن الأجمل: أن تكون القلوب أيضًا مهيأة.