سعيد أبو جلوي
مخطط قديم متجدد تعود جذوره لمشروع ديني يدعي أن الأرض الموعودة لإسرائيل تمتد من نهر الفرات إلى نهر النيل، وهي أيضاً مقولة هيرتزل مؤسس الصهيونية العالمية حينما أعلن انطلاق هذا المشروع عام 1409، وهي كذلك رؤية عوديد نيون الذي تصور إعادة تشكيل الشرق الأوسط بما يضمن لإسرائيل تفوقا إستراتيجياً طويل الأمد، كل ذلك له هدف واحد وهو ابتلاع أجزاء واسعة من الدول العربية لتكوين حلم صهيوني لم يكتمل منامه بعد.
ما أدلى به نتنياهو في خطاباته وتصريحاته عدة مرات حول خريطة إسرائيل الكبرى لم يكن رهناً للأحداث الجارية منذ السابع من أكتوبر أو فصلاً من فصول الحرب أو مجرد خطة تكتيكية لمشروع وطني استيطاني، بل هو تحول جذري في السردية الإسرائيلية الرسمية التي يمثلها رئيس الحكومة شخصياً، وتبنياً رسمياً لطموحات تيار الصهيونية الدينية التي لا ترى لإسرائيل أفقاً بين جيرانها العرب، وإنما ترى في الأفق دولة توراتية كبرى تبني أطروحاتها بناء على الأساطير الدينية التوراتية المتعلقة بأرض الميعاد، والمسيح المنتظر ونهاية العالم والألفية السعيدة.
وعلى ما يبدو أن الكيان الإسرائيلي تخلى أخيراً عن خداعه التسويقي وتباهيه أمام العالم بالعلمانية الأوروبية، فالإسرائيليون منذ عهد بن غوريون لطالما أشاروا إلى دولتهم بصفتها العلمانية واعتبروها ممثلة للديموقراطية في منطقة مليئة بالدول الثيوقراطية على حد زعمهم، إلا أن حربها العبثية الحالية أظهرتها على حقيقتها الأيدولوجية المتطرفة ممثلة للفاشية الدينية التي لا تقبل أي صوت غير صوت التطرف، ولا تعترف إلا بالآلة العسكرية وتضرب بالقرارات الدولية والمواثيق الأممية عرض الحائط، مرتكبة أبشع جرائم الحرب ومستبيحة كل طرق القتل الوحشية التي لا تمت إلى الإنسانية بصلة.
وبالنظر إلى ما تم إعلانه على لسان نتينياهو من رؤية إسرائيل الكبرى بحدودها على الخريطة وإلى ما تحقق على أرض الواقع من الأهداف خلال هذه الحرب، نجد أن إسرائيل لم تستطع أن تحقق هدفاً من أهداف حربها في جميع الجبهات، فلم تقض على حماس، ولم تنه تواجد حزب الله في لبنان، ولم تدمر البرنامج النووي الإيراني بالكامل، ولم تمنع هجمات الحوثيين على أراضيها، في حين أنها تمادت في القتل الممنهج للأطفال والعزّل والتدمير غيرالمحدود للبنية التحتية، وزادها ذلك عزلة دولية والانقسام الداخلي الإسرائيلي، فهل من المعقول أن يتحقق جنون نتينياهو في اكتساح جيوش منظمة والحصول على أراض ما بين النهرين وهي لم تحقق أهدافها في القضاء على فصيل مقاتل خلال سنتين.
باعتقادي أن الخطر الحقيقي ليس في خريطة الاسطورة التي يتبناها نتينياهو، وليس فيما تحويه من رؤية ولا معتقدات دينية تبيح له الاستيلاء على أجزاء واسعة من الدول المحادّة لدولته، ولا في تحقيق جزء يسير من ذلك في المستقبل القريب أو البعيد في ظل المعطيات الحالية، ولكن الخطر الحقيقي هو في مصادرة القضية الفلسطينية وتهجير أهلها وضم قطاع غزة والضفة الغربية إلى إسرائيل وأن عرض رؤية إسرائيل الكبرى قد تكون مناورة سياسية لإشغال العالم بها وإثارة الجدل حولها، مما قد يجعل الاكتفاء بضم ما تبقى من فلسطين إلى إسرائيل أمراً مستساغاً إلى حد ما.