أحمد بني قيس
في عالم يعج بالصراخ والضجيج يظلّ التعبير عن المشاعر بالنسبة لكثيرين ترفاً لا يملكون حقّه، ولكن ما يشذّ عن هذا الأمر ما نجده في المجتمعات الغربية مثلاً والذي يتمثل في الانفتاح العاطفي لديهم الذي يسمح لهم بالبوح عما يشعرون به علناً دون أي خجل أو تردد.
وما يعزز شيوع إظهار المشاعر في المجتمع الغربي أنه يعتبر هذا الإظهار حقّا أصيلا شبيها بحق حرية الكلام في عرفه..
حق لا يُحاسب المرء على ممارسته ولا يُتَّهم بالضعف إذا أظهره بينما نحن منذ الطفولة نتلقّى دروساً غير مكتوبة في إخفاء كل ما يعتبره مجتمعنا ضعفاً ونتعلّم أن نحبس دموعنا قبل أن تنحدر وأن نبتلع غصّتنا مهما كانت مؤلمة.
وهذا الأمر أشد وطأة على الذكور في مجتمعاتنا العربية والإسلامية إذ تُرسّخ التربية عندنا فكرة أن القسوة هي إحدى ركائز الرجولة وأن الصمت علامة نضج حتى لو كان الصمت يُدمينا فنكبر ونحن نؤمن بأن البوح ترف عند النساء بينما نرى أن الرجل الحقيقي لا يئن ولا يشكو ولا يطلب العون ولا يسمح لآهاته بالخروج للعلن ولا يُعطي دموعه إذناً بالسقوط فنحن نضحك أحياناً ليس لأننا سعداء وإنما لأن الضحك عندنا قناع نلبسه فقط لإخفاء جراحنا.
ورغم كل ذلك أنا مؤمن بأن التغيير قادم وستأتي اللحظة التي تتعلّم فيها قلوبنا الصامتة أن تقول بثبات: «هأنذا» وسيولد جيل جديد لا يُربّى على الخوف من سقوط دمعة ولا على الألم أن يُعرف.. جيل يرى في البوح شجاعة وفي الاحتياج إنسانية.. جيل يُعيد للمشاعر كرامتها وللرجولة دفأها.. حتى لا يضطر أحد للاعتذار عن كونه إنساناً يشعر ويتألم.
ختاماً، علينا أن نسمح لقلوبنا أن تتكلّم لأن الصمت المفرط يعلّمها النسيان وحين تنسى القلوب كيف تُعبّر.. تُصبح الحياة مجرد مشهد صامت فاقد لكل ما يجعله يستحق المشاهدة.