سارة الشهري
أتذكر صباحات طفولتي وأنا في طريقي إلى المدرسة، وأبي يدير الراديو بحثاً عن موجة إذاعة القرآن الكريم. كان الصوت يتسلَّل برهبةٍ وطمأنينة، يملأ السيارة، ويصنع بداية يوم جميل. أما صباحات اليوم، فقد تغيَّرت ملامحها، لم نعد نبحث عن ترددات إذاعية تختفي وتظهر مع حركة المؤشر، بل أصبحنا نضغط زرّاً واحداً لتشتغل مباشرة حلقات البودكاست المفضلة لدينا.
البودكاست ليس مجرد امتداد للراديو، بل هو نقلة نوعية في علاقتنا مع الصوت. نشأ المصطلح لأول مرة في عام 2004، عندما دُمجت كلمتا iPod وBroadcast، ليصف محتوى صوتياً يُحمَّل عبر الإنترنت ويُستمع إليه في أي وقت. لم يكن العالم حينها يدرك أن هذه الفكرة الصغيرة ستتحول إلى صناعة عالمية تؤثِّر بملايين المستمعين وتقدِّم البرامج المتنوعة التي تغطي كل ما يخطر في البال من العلم والتاريخ، إلى الهوايات وقصص الحياة اليومية.
الفرق الجوهري بين الراديو والبودكاست يكمن في الحرية.
الراديو كان موعداً لا بد أن تحضره، أما البودكاست فهو صديق متاح دائماً، ينتظرك في جيبك وعلى شاشة هاتفك. الراديو كان منبراً محدوداً، بينما البودكاست جعل من كل صوت منبراً.
ومع اقتراب 30 سبتمبر، الذي يصادف اليوم العالمي للبودكاست، نكتشف أننا لا نحتفل بوسيلة ترفيه فقط، بل بثقافة جديدة غيّرت عاداتنا الصباحية والمسائية، وخلقت مساحة شخصية لكل مستمع وصانع محتوى. لقد تحوّل الصوت من موجة عابرة في جهاز المذياع إلى أرشيف حي من الحكايات في قنوات متعددة للبودكاست، ويمكن العودة إليها متى شئنا.
فهل نحن جيل الراديو أم جيل البودكاست؟ نحن الاثنان معاً. في قلوبنا حنين لصوت المذياع وهو يعلن بداية يومٍ جديد، وفي أيدينا حرية أن نختار ما نسمع ومتى نسمعه. في النهاية، ستبقى الحكاية واحدة الصوت رفيقنا الأبدي، يتغير شكله لكن لا يتغير أثره.