يحيى العلكمي
يمكن تلخيص الفرق بين النسق والسياق في الحالة النصّية، على أنّ النسق يشير إلى النظام الداخلي أو البِنية المنظِّمة للنص أو الكلام، إنه يتعلق بترتيب العناصر اللُّغوية وعلاقتها ببعضها بعضا، مثل ترتيب الجمل والكلمات، واستخدام حروف العطف التي تتبع نسقًا معينًا. النسق هو ما يجعل النص متماسكًا ومنسجمًا داخليًا، أما السياق فيشير إلى الإطار الخارجي أو المحيط الذي وُضِعَ فيه النص، هو ما يُكسب الكلام معنى محددًا، ويسهم في فهم المقصود منه.
يواجه الكاتب المسرحي إشكالية التوازن بين النسق الذي يمثل البنية الداخلية للنص من حوار وشخصيات وصراع، والسياق الذي يمثل المحيط الخارجي للنص من ظروف تاريخية واجتماعية وثقافية‘ فإن أخذنا النسق بوصفه بِنية داخلية، فسنلحظ أن النص المسرحي يعتمد في جوهره عليه، وهو الهيكل الذي يمنحه الحياة، إذ يتألف هذا الهيكل من عناصر متكاملة تتمثل في: الشخصيات، الصراع، الحوار، والبنية الدرامية التي تتضمن العرض، التأزم، الذروة، الانفراج، والخاتمة، وتمنح النص إيقاعًا متماسكًا.
في حين أنه في حالة السياق لا يمكن فصل النص المسرحي عن إطاره العام؛ فالمسرح ليس مجرد قصة تُروى، بل هو مرآة تعكس الواقع، حيث يتأثر النص بشكل كبير بعوامل منها:السياق التاريخي والاجتماعي، السياق الثقافي والفني، تلقّي الجمهور.
تكمن الإشكالية الحقيقية في كيفية جعل النسق الفني يخدم السياق الخارجي دون أن يفقده قيمته الجمالية. هل يجب على الكاتب أن يضحي بسلامة النسق من أجل رسالة اجتماعية مباشرة؟ أم يجب أن يركز على بناء النص بشكل فني متكامل، تاركًا للسياق مهمة إيصال المعنى بطريقة غير مباشرة؟
إن أعظم النصوص المسرحية هي تلك التي تنجح في خلق هذا التوازن الدقيق؛ فبناء النسق القوي والعميق يسمح للنص بأن يتجاوز سياقه الزمني والمكاني ليصبح خالدًا، لكن هذا النسق يستمد قوته وشرعيته من قدرته على تمثيل وتحليل السياق الذي نشأ فيه بصدق ووعي.
إن فهم هذه الإشكالية يساعد على قراءة المسرح بشكل أعمق، لا كمجرد قصة، بل باعتباره عملا فنيًّا مركّبا يجمع بين الفن والواقع.