اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
والدولة العبرية تنظر إلى الحرب مع العرب بأنها عمل مقدس، فجولة 48م التي استولت فيها على أرض فلسطين تنظر إليها بأنها عملية تحرير، وجولة 56م التي تعرضت فيها مصر للعدوان الثلاثي ودخل فيها الصراع مع الكيان الصهيوني في نفق مظلم تنظر الدولة العبرية إليها بأنها تثبيت لأركان الدولة وتعزيز لأمنها، وجولة 67م التي احتلت فيها مساحات واسعة من أراضي الدول العربية وفرضت وجودها في المنطقة تعتبرها مطلبا أمنيا، وضرورة لابد منها للتوسع وخطوة متقدمة على طريق المشروع الصهيوني لإقامة دولة اليهود الكبرى.
وقد ترتب على حرب الأيام الستة عام 67م توسع الدولة العبرية خارج مناطق احتلالها، مسيطرة على مساحات شاسعة من أراضي الدول المجاورة في تجسيد عملي لفكرة التوسع التي تمثل حجر الأساس في العقيدة الصهيونية، الأمر الذي نجم عنه ترسيخ المفهوم التوراتي بالنسبة للأرض الموعودة وصعود فكرة دولة اليهود الكبرى.
وفي جولة 73م أعاد الجيش المصري إلى الأمة اعتبارها وتراجع الكيان الصهيوني عن غطرسته بعد أن انهزم جيشه الذي يقول عنه بأنه لايقهر، ودخل مرحلة جديدة يراجع فيها حساباته ويستعرض خياراته دون أن يغير من سياساته أو يتنازل عن طموحاته، متبعاً أسلوب الخداع والخبث السياسي، ومعتمداً على الظهير الأمريكي الذي يتولى حمايته ورعايته.
واستطاع الكيان الصهيوني الاستفادة من الدروس والعبر وحافظ على مشروعه الذي يلتقي مع المشروع الأمريكي في المنطقة، مستفيداً من تحييد مصر وإخراجها من المعادلة بعد اتفاقية السلام معها، وبالتالي تحويل الصراع مع العرب إلى صراع فلسطيني إسرائيلي مع تجاهل مبادرة السلام العربية والالتفاف على اتفاقه مع السلطة الفلسطينية وتمرده على القرارت الدولية.
وقد وجدت الدولة العبرية في مشروع الشرق الأوسط الجديد ضالتها واستعادة قوتها وواصلت رحلتها التي تهدف إلى تمزيق الدول العربية وإعادة تقسيمها بإثارة القلاقل والمؤامرات فيها من الداخل عن طريق تنظيمات ذات هوية محسوبة على العرب تتستر خلف مسميات مزورة وشعارات كاذبة تقف خلفها جهات خارجية مع شد أطراف المنطقة العربية من الخارج والاستعانة بقوى الاستعمار للضغط على دول المنطقة سياسياً واقتصادياً.
وعلى ضوء التطورات الحالية وجدت الدولة العبرية فرصتها لتجول وتصول على الطريق في سبيل تعزيز مشروعها الذي تتبناه من أجل تحقيق أحلامها وإقامة دولتها الكبرى في الوقت الذي فيه الأمة العربية مغلوبة على أمرها وتعاني من انقسامات مذهبية وطائفية تحوّل بعضها إلى تنظيمات عميلة شغلها الشاغل إعطاء الذرائع للدولة العبرية للانقضاض على عدد من الدول العربية، حيث أصبحت هذه الدول ميدانا للاغتيالات ومسرحاً لغزو الطائرات ورمي المقذوفات، كما هو الحال في كل من فلسطين ولبنان وسوريا واليمن وقطر.
وما تعرضت له غزة من إبادة جماعية وجرائم وحشية وتدمير للبنى التحتية والحصار والتجويع ومحاولات التطهير العرقي والتهجير القسري وغير ذلك من الممارسات الظالمة التي امتد ظلها إلى الضفة الغربية، كلها تدور في فلك المشروع الصهيوني.
وقد اتخذ الكيان الصهيوني من حزب (اللات) ذريعة لاحتلال جنوب لبنان وتدمير بعض قراه وجعله ساحة لعربدة طيرانه ومقذوفاته، واليمن هو الآخر وجد هذا الكيان في المقذوفات الطائشة التي يطلقها الحوثيون مبرراً للاعتداء على الشعب اليمني وقتل المواطنين العزل وتدمير البنى التحتية والمرافق الحيوية، والعراق ليس في أحسن حال وحشده الشعبي آفة زمانية وصناعة إيرانية وينتظر دوره.
ومنذ القدم وسياسة الدولة العبرية تكشف عن نزعتها العدوانية ومحاولاتها المستمرة في التوسع الإقليمي، ولكن في هذه الفترة استفحلت نزعتها وتجلت بوضوح من خلال اعتداءاتها المتكررة في أكثر من مكان حيث تعمل جاهدة على توسيع نطاق احتلالها والمضي قدماً في اعتداءاتها، متجلياً ذلك في الاعتداء على سوريا واحتلال شريحة من أراضيها والسعي إلى تدمير جيشها وتجريدها من عناصر قوتها الوطنية والتدخل في شؤونها الداخلية.
والاعتداء على قطر فضح المستور وأكد المخبور وكشف الوجه القبيح لأمريكا وخيانتها لمَنْ احتضن قاعدتها، كما أثبت هذا الاعتداء أن الرئيس الأمريكي يأتمر بأوامر تل أبيب وليس له مصداقية ولاذمة، وعلى الجانب الآخر فإن الذي لا يعرف نفسه لا يعرف كيف يسوسها، والعاقل كلما ارتفع مقامه وساعدته أيامه يتعين عليه أن يعرف عناصر القوة التي يمتلكها، ويوازن بينها وبين تطلعاته وطموحاته، فلايضع نفسه في مكان غير مكانه ولايخدعه الطيف بألوانه.
وفي هذا الزمن الذي فيه طيران الكيان الصهيوني يسرح ويمرح في فضاء عدد من الدول العربية ورئيس وزراء الكيان يهدد ويتوعد، ويقول: إنه لا يوجد أحد في منأى عن ذراعه الطويلة، وتعتبر تصريحاته والأحداث الجارية إرهاصات لطموح اليهود نحو دولتهم الكبرى على حساب الدول العربية، وذلك على هيئة شرق أوسط جديد تميل كفة الميزان فيه لصالح الدولة العبرية نتيجة لضعف الأمة العربية وشد أطرافها والاعتداء عليها من الخارج، وبفضل تأييد ودعم قوى الاستعمار والإمبريالية واستفادة الدولة العبرية منها كقوة داعمة لها وضاغطة على خصمها للوصول إلى غايتها الصهيونية.
والآن وقد بلغ السيل الزبى والحزام بلغ الطبيين وأصبحت عواصم بعض الدول العربية تستباح والدولة بكاملها في مهب الرياح لم يبق وقت للانتظار والاكتفاء بالتنديد والاستنكار واستجداء المساعدة من المنظمات التي تسيطر عليها قوى الاستعمار، بل يتعين تفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك وتشكيل قوة عسكرية والإعلان عنها واعتبارها مكونا أساسيا لتحالف إسلامي يتم الإعلان عن جهوزيته بأسرع وقت واستعداده لمواجهة أي تهديد ضد أية دولة من دوله، كما يلزم إعادة النظر في مصادر الأسلحة وتقويم الوضع مع الدول ذات العلاقات الأمنية وعدم الاعتماد عليها.