العقيد م. محمد بن فراج الشهري
يُعد اليوم الوطني السعودي مناسبة خالدة تحمل في طياتها معاني الوحدة والولاء والانتماء، حيث يوافق هذا اليوم ذكرى تأسيس المملكة العربية السعودية على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - في الثالث والعشرين من سبتمبر عام 1932م، عندما تمكن من توحيد أرجاء البلاد تحت راية واحدة وبهوية وطنية راسخة.
يأتي الاحتفال باليوم الوطني السعودي الخامس والتسعين هذا العام ليجسد امتداد مسيرة البناء والعطاء التي انطلقت قبل ما يقارب القرن، ويعكس في الوقت ذاته ما وصلت إليه المملكة من نهضة حضارية وتنموية في مختلف المجالات. إن هذا اليوم لا يمثل مجرد حدث تاريخي، بل يُعتبر رمزاً للتلاحم بين القيادة والشعب، وتجسيداً لقيم الهوية الوطنية والاعتزاز بالانتماء للأرض المباركة التي تحتضن الحرمين الشريفين. وفي كل عام، تستعيد المملكة في هذه المناسبة ذكريات الفخر والعزيمة، وتستحضر البطولات التي سطّرها الأجداد، ليظل الوطن قصة عطاء متجددة يكتبها الأبناء والأحفاد. ويُبرز الاحتفال باليوم الوطني عمق العلاقة بين الماضي العريق والحاضر المشرق والمستقبل الواعد، حيث تتجلى فيه الإنجازات الوطنية والسياسات الرشيدة التي قادت البلاد إلى مكانة مرموقة بين الأمم. كما يُعد فرصة لتعزيز قيم الولاء الوطني في نفوس الأجيال، وربطهم بتاريخهم المجيد وحاضرهم الزاهر. ومن هنا، فإن اليوم الوطني السعودي 95 يُعد أكثر من مجرد مناسبة احتفالية، فهو رسالة متجددة تؤكد أن مسيرة النماء مستمرة، وأن الوطن يسير بخطى واثقة نحو مستقبل مشرق يرتكز على رؤية طموحة تقودها قيادة حكيمة وشعب مخلص.
تحتفل المملكة العربية السعودية بيومها الوطني في اليوم الأول من الميزان الموافق 23 سبتمبر (أيلول) من كل عام؛ وذلك تخليداً لذكرى توحيد المملكة وتأسيسها على يدي جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - رحمه الله -. ففي مثل هذا اليوم من عام 1351ه/ 1932م سجل التاريخ مولد المملكة العربية السعودية بعد ملحمة البطولة التي قادها المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - على مدى اثنين وثلاثين عاماً بعد استرداده مدينة الرياض عاصمة ملك أجداده وآبائه في الخامس من شهر شوال عام 1319ه الموافق 15 يناير 1902م. وفي 17 جمادى الأولى 1351هـ صدر مرسوم ملكي بتوحيد كل أجزاء الدولة السعودية الحديثة تحت اسم المملكة العربية السعودية، واختار الملك عبدالعزيز يوم الخميس الموافق 21 جمادى الأولى من نفس العام الموافق 23 سبتمبر 1932م يوماً لإعلان قيام المملكة العربية السعودية. واحتفاء بالعيد الـ 95 للمملكة العربية السعودية، تأتي الهوية الرسمية لليوم الوطني هذا العام تعبيراً صادقاً عما يتميز به السعوديون من طباع وهوية، ومن صفات تأصلت فيه منذ الولادة، كالكرم والجود والطموح والفزعة والأصالة، إلى جانب رؤية المملكة لعام 2030 التي يسعى الجميع إلى تحقيق أهدافها، ويعكس هذا الشعار العز والفخر اللذين يشعر بهما السعوديون برؤية 2030 التي تسعى إلى بناء مستقبل مزدهر ومستدام، وتحقيق التحوّل والتقدّم، مع الحفاظ على الهوية والقيم السعودية الأصيلة.
وقد ولد الملك عبدالعزيز في مدينة الرياض عام 1293هـ/ 1876م، ونشأ تحت رعاية والده الإمام عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله آل سعود، وتعلم القراءة والكتابة على يد الشيخ القاضي عبدالله الخرجي وهو من علماء الرياض، فحفظ بعضاً من سور القرآن الكريم ثم قرأه كله على يد الشيخ محمد بن مصيبيح، كما درس جانباً من أصول الفقه والتوحيد على يد الشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ. وشرع الملك عبدالعزيز في توحيد مناطق نجد تدريجياً، فبدأ في الفترة 1320/ 1321هـ بتوحيد المناطق الواقعة جنوب الرياض بعد انتصاره في بلدة الدلم القريبة من الخرج، فدانت له كل بلدان الجنوب، الخرج والحريق والحوطة والأفلاج وبلدان وادي الدواسر. ثم توجه إلى منطقة الوشم ودخل بلدة شقراء، ثم واصل زحفه صوب بلدة ثادق فدخلها أيضاً، ثم انطلق إلى منطقة سدير ودخل بلدة المجمعة، وبهذا الجهد العسكري تمكن الملك عبدالعزيز من توحيد مناطق الوشم وسدير وضمها إلى بوتقة الدولة السعودية الحديثة.
وفي 17 جمادى الأولى 1351هـ صدر مرسوم ملكي بتوحيد كل أجزاء الدولة السعودية الحديثة في اسم واحد هو «المملكة العربية السعودية» وأن يصبح لقب الملك عبدالعزيز «ملك المملكة العربية السعودية»، واختار جلالته في الأمر الملكي يوم الخميس 21 جمادى الأولى 1351هـ يوماً لإعلان توحيد المملكة العربية السعودية وهو اليوم الوطني للمملكة، وقد اختارت الدولة السعودية في عهد الملك عبدالعزيز شعار الدولة الحالي «سيفان متقاطعان بينهما نخلة» أما العلم فأصبح لونه أخضر مستطيل الشكل تتوسطه شهادة التوحيد «لا إله إلا الله محمد رسول الله» باللون الأبيض وتحتها سيف باللون الأبيض.
نظم الملك عبدالعزيز دولته الحديثة على أساس من التحديث والتطوير المعاصر، فوزع المسؤوليات في الدولة وأسس حكومة منطقة الحجاز بعد ضمها وأنشأ منصب النائب العام في الحجاز وأسند مهامه إلى ابنه الأمير فيصل وكان ذلك عام 1344هـ/ 1926 م، كما أسند إليه رئاسة مجلس الشورى، وفي 19 شعبان 1350هـ الموافق 30 ديسمبر 1931م صدر نظام خاص بتأليف مجلس الوكلاء، وأنشأ الملك عبدالعزيز عدداً من الوزارات، وأقامت الدولة علاقات دبلوماسية وفق التمثيل السياسي الدولي المتعارف عليه رسمياً، وتم تعيين السفراء والقناصل والمفوضين والوزراء لهذه الغاية، كما اهتم الملك عبدالعزيز كثيراً بدعم القضية الفلسطينية، ولما تأسست جامعة الدول العربية في القاهرة عام 1365هـ/ 1945م كانت المملكة العربية السعودية من الدول المؤسسة.
وفي اليوم الوطني الخامس والتسعين تُسلط الأضواء على ما حققته المملكة العربية السعودية من إنجازات غير مسبوقة في مختلف المجالات. فقد شهدت السنوات الأخيرة نقلة نوعية في الاقتصاد الوطني بفضل رؤية المملكة 2030، التي أطلقها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله -، والتي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط، مع التركيز على قطاعات السياحة والتقنية والاستثمار والطاقة المتجددة. كما حققت المملكة إنجازات بارزة في مجال البنية التحتية، حيث شُيّدت مشاريع عملاقة مثل «نيوم» و«ذا لاين» و«القدية»، لتشكل أيقونات حضارية تعكس الطموح السعودي نحو الريادة العالمية.
وعلى الصعيد الاجتماعي، أولت الدولة اهتماماً كبيراً بتمكين الشباب والمرأة، عبر فتح مجالات جديدة للعمل والتعليم والمشاركة في الحياة العامة، مما ساهم في تعزيز دورهم الفاعل في بناء الوطن. كما أن الاهتمام بالجانب الثقافي والتراثي بات من أبرز ملامح الحاضر السعودي، حيث جرى تسجيل مواقع تاريخية في قائمة التراث العالمي لليونسكو، وإحياء الهوية الوطنية عبر المهرجانات والفعاليات الثقافية. ولا يمكن إغفال التطورات في القطاع الصحي والتعليمي، حيث أُنشئت جامعات حديثة، وطُبقت برامج صحية متقدمة رفعت مستوى جودة الحياة للمواطن والمقيم. ومن خلال هذه الإنجازات، يظهر جلياً أن اليوم الوطني لا يقتصر على تذكر الماضي، بل هو مناسبة للاحتفاء بالحاضر المشرق، وإبراز مدى نجاح المملكة في الجمع بين الأصالة والمعاصرة، بما يحقق تطلعات أبنائها نحو مستقبل أكثر إشراقاً.
يتميز اليوم الوطني السعودي أيضاً بكونه مناسبة وطنية تُعزز قيم الوحدة والتلاحم بين أبناء الوطن الواحد، حيث يتجسد شعور الانتماء والاعتزاز في مختلف المظاهر الاحتفالية التي تنتشر في أرجاء المملكة.. وبذلك، فإن اليوم الوطني السعودي ليس مجرد ذكرى تاريخية، بل هو رسالة متجددة بأن المملكة تسير بخطى ثابتة نحو المستقبل، مرتكزة على إرث تاريخي عريق، وقيادة حكيمة، وشعب يضع الوطن فوق كل اعتبار. كما يمكن القول إن اليوم الوطني السعودي الخامس والتسعين يُجسد ملحمة وطنية متكاملة تجمع بين الماضي المجيد والحاضر المشرق والمستقبل الواعد. فهو مناسبة لإحياء ذكرى التوحيد، واستذكار التضحيات التي قدمها الآباء والأجداد في سبيل بناء وطن قوي وموحد. كما يمثل فرصة للاحتفاء بما تحقق من إنجازات تنموية وحضارية جعلت المملكة في مصاف الدول الرائدة. وإلى جانب ذلك، يُعد هذا اليوم دعوة صادقة لتعزيز الانتماء والولاء، وغرس القيم الوطنية في نفوس الأجيال القادمة، ليواصلوا مسيرة البناء بكل إخلاص وعزيمة.
إن اليوم الوطني السعودي ليس مجرد مناسبة سنوية، بل هو محطة تتجدد فيها العزيمة، وتتأكد فيها وحدة الصف، ويُرفع فيها شعار «هي لنا دار» بكل فخر واعتزاز. وبقدر ما هو يوم للاحتفال، فإنه أيضاً يوم للتأمل والتخطيط للمستقبل، بما يضمن استمرار مسيرة النهضة، وتحقيق رؤية المملكة الطموحة. وهكذا يظل اليوم الوطني رمزاً للوحدة والقوة والإصرار على أن يبقى الوطن شامخاً وعزيزاً، وموطناً للأمن والازدهار على مر الأزمان.