أ. د.عبد العزيز بن محمد الفيصل
اليوم الذي تمت فيه البيعة للملك سلمان يوم خالد في نفس كل إنسان سعودي، فملك البلاد سلمان بن عبدالعزيز أهل لتسلم قيادة المملكة العربية السعودية فهو جدير بالحكم، ترعرع في مظلة حكم والده الملك عبدالعزيز، فنشأ على القيم الدينية، وشاهد منذ صغره كيف يحترم والده هذه القيم، فنشأ شاباً يحب الخير ويتطلع إلى الاستفادة من سيرة والده في مجالسه العامة والخاصة، إن مجلس الملك عبدالعزيز مدرسة نهل منها الملك سلمان العلوم الدينية والقيم والأعراف القبلية والعلاقات الدولية، فمجلس الملك عبدالعزيز يؤمه رئيس القبيلة وأمير البلدة والعالم الشرعي والشاعر العربي والشاعر الشعبي والأديب ورئيس الدولة، والحديث الذي يطرح في المجلس فيه ما يصغى له السمع فيبقى في الذاكرة، وإذا كان الملك سلمان قد أدرك مجالس والده في طفولته وأول شبابه فإن تحصيله منها أصبح زاداً له في كبره (العلم في الصغر كالنقش في الحجر).
تولى إمارة الرياض في أول شبابه، وقد استمر في إمارة الرياض ما يقرب من خمسين عاما، والإمارة تشهد له بحسن الإدارة، وبالإضافة إلى إمارة الرياض فهو يقوم بأعمال تتعلق بالدولة وواجباتها تجاه العرب والمسلمين، فقد قاد المتطوعين في حرب فلسطين في سنة 1967م، وأشرف على جمع التبرعات لفلسطين في حرب 1973م، وهو المشرف على التبرعات للمسلمين في فلسطين والبوسنة والهرسك والصومال، ومن أعماله الجليلة الزيارات الناجحة للدول الآسيوية فقد أسهمت تلك الزيارات في توطيد علاقات المملكة مع تلك الدول. وللثقافة في حياة الملك سلمان مكانة سامية فهو قارئ ومطلع، يقرأ الصحف كل يوم ويحرص على قراءة الصحف اللبنانية بالإضافة إلى الصحف السعودية، ومن المعروف عن الملك سلمان رعاية الصحافة السعودية والصحفيين وحل مشكلات الصحفيين والكتّاب، وهو الذي سعى في إيجاد مقر ثابت لكل جريدة ثم أطلق على المكان الذي شيدت فيه مباني الصحف حي الصحافة. وقراءة الملك سلمان تشهد لها مكتبته العامرة بالكتب المختلفة فهو يقرأ في كتب التاريخ وكتب الإنسان ودواوين الشعراء، والملك سلمان خطيب متمكن، فإذا انطلق في خطابته مدته ذاكرة لا تنضب لأن لها قاعدة معرفية ودينية وتاريخية، يستحضر أسماء البلدان وأحداث التاريخ بكل يسر وسهولة، وإذا رجعنا إلى خطبته في افتتاح معهد البريد في شمال الرياض الشرقي وهو اليوم في وسط الرياض وخطبته في افتتاح مبنى الجزيرة في حي الصحافة إذا وقفنا على هذا الأنموذج من خطب الملك سلمان وجدنا الارتجال يشبه الخطب المكتوبة، وللملك سلمان مهارات انفرد بها منها إتقانه للعرضة السعودية من حيث الأداء بالسيف واستعمالاته ومهارة الصيد بالصقور، يعرف أرض الصيد ومسالك الصحراء.
وبما أن الملك سلمان يباشر عمله في إمارة الرياض في وسط العاصمة في قصر الحكم لحظ في مروره في وسط الرياض إغلاق بعض الحوانيت ونقص المتسوقين وقاصدي وسط العاصمة، وتبين له فيما بعد أن أسواق الخضار والفاكهة نقلت إلى عتيقة وأن هناك أسواقًا جديدة في الضواحي التي استحدثت وأصبحت أحياء جديدة مثل ظهرة البديعة والشفا والعليا والنسيم، وأن هذه الأحياء احتضنت أسواقًا جديدة أغرت تجار وسط الرياض في الانتقال إليها، لما تبين الأمر للملك سلمان عزم على تطوير قلب الرياض فأمر بتطوير منطقة قصر الحكم، وكان انطلاق تطوير قلب الرياض من قصر الحكم والمسجد الجامع حيث برزت المباني الثلاثة: قصر الحكم والمسجد الجامع وقصر (المصمك)، وتتابع البناء في أسواق المقيبرة والمعيقلية وسويقة والثميري، ولم تمض سنوات قليلة حتى افتتحت الأسواق التي اختلط فيها الشعبي بالحديث، وأصبحت تعج بالمتسوقين الذين يفدون من أحياء الشفا والبديعة وعتيقة فهم يجدون في أسواق قلب الرياض مبتغاهم من الأدوات القرطاسية والأقلام وأدوات الكتابة عامة بالإضافة إلى ما تحتاج إليه بيوتهم من أدوات التنظيف ومكملات ما يحتاج له المطبخ، فأسواق قلب العاصمة توافر فيها ما تحتاج إليه الأسرة والأبناء والبنات، فرؤية الملك سلمان في تجديد قلب الرياض رؤية صائبة أنقذت قلب العاصمة من النسيان. والحي الثاني الذي اهتم به الملك سلمان هو حي المربع، ففي هذا الحي قصر الملك عبدالعزيز الذي استقر فيه والد الملك سلمان سنين عديدة، فالقصر بني بالبن والطين وسقف بالأخشاب، وقد عزم الملك سلمان على بعث حي المربع من جديد، فرمم القصر وحافظ على بنائه وبنيت دارة الملك عبدالعزيز بجوار القصر، ودارة الملك عبدالعزيز تحتفظ بتاريخ الملك عبدالعزيز والدولة السعودية في حِقَّبِهَا التاريخية الثلاث: الدولة السعودية الأولى والدولة السعودية الثانية والدولة السعودية الثالثة، ومن اهتمامات الملك سلمان بمدينة الرياض التي امتدت إلى الدرعية صيانة الدرعية التاريخية فلم يترك العبث يمتد إلى أحيائها التاريخية بل حافظ على قصورها وأمر بأن ترمم مع بقائها ممثلة لحقبتها التاريخية، فمن تلك القصور ما شيد في زمن المؤسس محمد بن سعود ومنها ما شيد في زمن الإمام عبدالعزيز بن محمد، فَأَمْرُ الملك سلمان أنقذ الدرعية التاريخية وآثارها التي تحتفظ بالتاريخ بل إنها شاهد على ما سطره التاريخ من أمجاد الدولة السعودية، وخصوصاًفترة التأسيس.
انتقل الحكم إلى الملك سلمان انتّقالاً سلساً فالملك سلمان أهل للحكم، وأعماله الجليلة التي مرت معنا تنبئ عن ذلك، ومنذ أن آل الحكم إلى الملك سلمان والبلاد في أمن، فالأمن مستتب والمعيشة متاحة والصحة في متناول الجميع ودراسة الطلاب في مدارسهم وجامعاتهم تسير في طريقها الصحيح فالطريق إلى المدرسة آمن ومنهل العلم متوافر. والحج من أولويات اهتمامات الملك سلمان ولذلك وفر للحجاج الأمن على أنفسهم وممتلكاتهم فالمسكن آمن والطريق آمن فالحافلات متاحة في طرق المشاعر، والقطار متاح أيضا فزحمة الطريق في المشاعر انخفضت، وزحام الجمرات تلاشى فلم نعد نسمع بالوفيات والإصابات حتى إصابات الحرارة وضربات الشمس أصبحت قليلة، والطواف في المسجد الحرام خف الزحام فيه بسبب التنظيم والتفويج، فالحاج يؤدي مناسكه والصحة تصحبه وماء الشرب في كل مكان في منى وعرفات وفي المسجد الحرام، والاهتمام بمدينة الرسول ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم لا يقل عن الاهتمام بالمشاعر والمسجد الحرام، فالحاج بعد انقضاء حجه يجد قطار الحرمين متاحًا له للوصول إلى المدينة لزيارة مسجد الرسول وزيارة قبره والتسليم على نبي المسلمين، فالزيارة آمنة ورجال الأمن يرقبون الزحام إن وجد، فزائر المدينة يذهب إلى البقيع وأحد ومسجد قباء في أمن وسكينة فالسكن متاح والعيش متوافر والماء في كل مكان. ومن اهتمامات الملك سلمان بصحة المواطن والمقيم السيطرة على وباء كرونا في المملكة، فكانت الخسائر في الأرواح والتجارة قليلة إذا قورنت بخسائر الدول الأخرى وقد اعترف العالم بحسن تعامل المملكة مع هذا الوباء والسيطرة عليه.
واهتمام الملك سلمان بالقضية الفلسطينية مقترن بحياته كما تقدم معنا، وقد جَدَّت المملكة في السنوات الأخيرة مع بعض الدول الفاعلة في الدعوة إلى إحلال الدولتين في أرض فلسطين، وسيكون لهذا الموضوع شأن في هذا الشهر، ولا ننسى أنه أصبح للمملكة ثقل في قمة العشرين في عهد الملك سلمان، ثقل اقتصادي وثقل في السياسة الدولية وحل المشكلات بين الدول.
أيها الملك المبجل أَمِنَت البلاد في عهدك وتحملت المسؤولية بثقلها وخدمت الحرمين فالكل يدعو لك ولولي عهدك محمد بن سلمان بن عبدالعزيز.