محمد الخيبري
يبدو أن اسم سيموني إنزاغي، المدرب العالمي الكبير، بات يتردد بقوة في أروقة نادي الهلال، أحد أكبر وأعرق أندية قارة آسيا..
لم تكن مهمة الإشراف على فريق بحجم الهلال بالأمر السهل، فالتاريخ والإرث الذي يحمله النادي يمثل خطوطاً حمراء لا يمكن التهاون معها لدى جماهيره، إعلامه، ومحبيه.. إنهم يدركون تماماً أن سمعة وتاريخ الزعيم فوق أي اعتبار، ولا يمكن التنازل عنها مهما كانت الظروف..
إنزاغي، الذي قاد الفريق في الفترة الماضية، يواجه تحدياً كبيراً رغم الأرقام الجيدة التي حققها. فالهلال، تحت إشرافه، لم يتلق سوى خسارة واحدة في بطولة كأس العالم للأندية أمام فلومينيزي البرازيلي، وهي خسارة قد تكون جاءت بفعل أخطاء تحكيمية مؤثرة. ومع ذلك، فإن الأداء الفني للفريق لا يطمئن الجماهير، خاصة عند النظر إلى نسبة الأهداف المسجلة والمستقبلة، والمستوى العام للفريق في مواجهاته مع الفرق المنافسة، بغض النظر عن قوتها..
تكمن المشكلة في أن الجماهير الهلالية لا تبحث فقط عن النتائج، بل عن الأداء الذي يليق بكبير الكرة الآسيوية وموقفه من سلم الترتيب في الدوري السعودي المحترف.. إنهم يطمحون لرؤية فريق يسيطر على مجريات المباراة، ويقدم أداءً فنياً راقياً يعكس قيمة لاعبيه الكبار، وقيمة الكيان الذي يمثلونه والذي كان يمكلك كتيبة هجومية لا تقهر.
إن الهلال ليس مجرد فريق يفوز، بل هو فريق يجب أن يفوز بأناقة وأحياناً كثيراً بشيء من القسوة.. إنزاغي مطالب الآن بتحقيق التوازن بين النتائج والأداء والعمل على غزارة التهديف ونظافة الشباك الهلال من ولوج الأهداف.
وعليه أن يثبت أن استحقاقه لتدريب هذا الكيان العملاق ليس فقط من خلال الأرقام، بل من خلال تقديم كرة قدم تعيد للهلال بريقه المعتاد وتطمئن عشاقه على مستقبل ناديهم..
إنها مهمة صعبة، ولكنها ليست مستحيلة على مدرب بمكانته وسمعته العالمية ومسيرته بعالم التدريب.. ولكن التحدي الأكبر لإنزاغي قد لا يكون فقط داخل الملعب، بل خارجه أيضاً..
فالمؤتمرات الصحفية باتت ساحة أخرى للمواجهة، وعلى المدرب أن يكون حذراً جداً في مخاطبة الشارع الهلالي.. فالجمهور اليوم أصبح أكثر وعياً وثقافته الرياضية توسعت بشكل كبير، ولم يعد يتقبل الإجابات التقليدية أو المبررات الواهية.. بعض أسئلة الصحفيين قد تبدو بسيطة، لكنها في الحقيقة ملغمة بسؤال محرج، وهي «لعبة» إعلامية مؤثرة قد تضع المدرب في موقف لا يحسد عليه.. الكلمة غير المحسوبة أو التبرير غير المقنع حتى وإن خرجت بشكل عفوي قد يكلفه الكثير من رصيده لدى الجماهير..
إنزاغي مطالب بأن يتقن فن التواصل الإعلامي وعليه أن يكون صادقاً وواضحاً في حديثه، وأن يدرك أن كل كلمة تخرج من فمه سيتم تحليلها وتداولها.. الشفافية والواقعية هما السلاح الأقوى في مواجهة المؤتمرات الصحفية، لأن الجمهور الهلالي يبحث عن مدرب يعامله باحترام وتقدير، وليس عن شخص يحاول تجميل الواقع أو الهروب من الأخطاء..
يجب على إنزاغي أن يدرك أن الجمهور الهلالي يبحث عن الشفافية لا المبررات.. أحد أهم الأدوات التي يمكن أن يستخدمها المدرب لكسب ثقة الجماهير هو الحديث الصريح عن مستوى اللاعبين واحتياجات الفريق..
فبعض المدربين يتجنبون الإفصاح عن الأسباب الحقيقية وراء عدم الاعتماد على لاعب معين، أو الاعتماد على آخر وهذه الطريقة قد لا تكون مرضية للجماهير ويفضلون إطلاق عبارات دبلوماسية لا تشبع فضول الجمهور..
الجمهور الهلالي، بوعيه المتزايد، يريد أن يسمع من المدرب لماذا لا يشارك لاعب معين، أو لماذا يتم الإصرار على لاعب آخر رغم تذبذب مستواه؟.. هذا النوع من الصراحة لا يُعد انتقاصاً من اللاعبين، بل هو توضيح يُقرب المدرب من المشجعين وقد يشق طريقاً للألفة والدعم بين الجماهير واللاعبين..
إنها طريقة لبناء جسر من الثقة، حيث يشعر الجمهور بأن المدرب يعامله كشريك في رحلة النادي، وليس كمتفرج بعيد عن القرارات الفنية.. الأمر لا يتوقف عند اللاعبين الحاليين فقط، بل يمتد إلى احتياجات الفريق في فترة الانتقالات..
فالمعلومات التي يُفصح عنها المدرب حول المراكز التي تحتاج إلى تدعيم، والصفات التي يبحث عنها في اللاعبين الجدد، هي معلومات ثمينة بالنسبة للجماهير والإعلام.
هذا الكشف يُظهر أن المدرب يملك رؤية واضحة للمستقبل، وأنه يعمل بجد لتعزيز نقاط القوة وسد الثغرات.. الشفافية في المؤتمرات الصحفية والتصاريح الإعلامية لا تُعتبر ضعفاً، بل هي قوة في شخصية المدرب.
إنها تُظهر أن المدرب يثق في قراراته، ويؤمن بضرورة إشراك الجمهور في الصورة الأكبر.. إنها خطوة جريئة لكنها ضرورية لمدرب يقود فريقاً بحجم الهلال، حيث كل تفصيل مهم، وكل كلمة لها وزن.
قشعريرة
أرضية ملعب الإنماء «الجوهرة» بجدة، التي كادت أن تكون شاهدة على لحظات مجد وتتويج، أصبحت مسرحاً لوداع مؤلم لبطولة القارات التي كانت حلماً يراود جماهير النادي الأهلي..
خسارة قاسية بثلاثة أهداف لهدف أمام فريق بيراميدز المصري، لم تكن مجرد هزيمة عادية، بل كانت صدمة قوية لجماهير القلعة التي آمنت بقدرة فريقها على المضي قدماً في هذه البطولة.. لكن، هل كانت هذه الخسارة وليدة اللحظة؟ أم أنها كانت نتيجة لتراكم عوامل أدت إلى هذا الخروج المبكر؟..
قد يكون السبب الأقوى لهذه الخسارة هو الاستنزاف اللياقي والذهني الذي تعرض له لاعبو الأهلي في المباراة السابقة أمام الهلال.. لم تكن مجرد مباراة عادية في الدوري، بل كانت معركة كروية حقيقية انتهت بالتعادل الإيجابي بثلاثة أهداف لكل فريق حيث قدم فيها الفريقان مستوى عالياً من الإثارة والندية، مما استهلك الكثير من طاقة اللاعبين بدنياً وذهنياً..
فبعد مباراة كهذه، يحتاج اللاعبون إلى فترة كافية للاستشفاء واستعادة لياقتهم، وهو ما لم يتوفر لهم قبل مواجهة بيراميدز حيث دخل لاعبو الأهلي اللقاء بأجساد منهكة وعقول مشغولة بتفاصيل المعركة السابقة، وهو ما انعكس بشكل واضح على أدائهم في الملعب، حيث بدت حركتهم أبطأ وقراراتهم أقل دقة إضافة إلى الضغوط الجماهيرية والتي حضرت بكثافة وساندت حتى الوقت التي فقدت فيه أمل العودة للمباراة.
لا يمكن تجاهل تأثير الظروف المناخية الصعبة في مدينة جدة، حيث الرطوبة العالية والطقس الحار.. هذه العوامل تؤثر بشكل مباشر على أداء اللاعبين، خاصة أولئك الذين لم يعتادوا على اللعب في مثل هذه الأجواء.
تسبب الرطوبة العالية في فقدان الجسم للسوائل بشكل أسرع، مما يؤدي إلى الإجهاد والإرهاق المبكر.. رغم أن لاعبي الأهلي معتادون على الأجواء، إلا أن التوقيت والمجهود الكبير الذي بذلوه في مباراة الهلال جعلهم أكثر عرضة لتأثيرات الطقس..
كان لاعبو بيراميدز، الذين ربما كانوا أكثر استعداداً لمواجهة هذه الظروف، يظهرون بمستوى لياقي أفضل سمح لهم بالتحكم في مجريات اللعب واستغلال تراجع مستوى لاعبي الأهلي.
السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل كانت إدارة الفريق والجهاز الفني على دراية بهذه العوامل؟ وهل كان من الممكن اتخاذ قرارات تكتيكية مختلفة؟.. لقد كانت مباراة الهلال مهمة، لكن مواجهة بيراميدز في بطولة القارات كانت لا تقل أهمية، بل ربما تفوقها.
كان الخروج من البطولة على أرضك وبين جماهيرك أمراً مؤلماً وكان على الفريق أن يضع في الاعتبار أن تراكم المباريات الكبيرة في فترة قصيرة، إلى جانب الظروف المناخية، سيؤثر سلباً على أداء اللاعبين.. هذه الخسارة يجب أن تكون درساً مهماً للفريق. درس في كيفية إدارة الأولويات، وكيفية التعامل مع الضغوط، وكيفية تجهيز اللاعبين ذهنياً وبدنياً لمواجهة التحديات المتتالية..