العقيد م. محمد بن فراج الشهري
التعاون والترابط والتكاتف السعودي الباكستاني ليس وليد الصدفة، بل هو قائم منذ سنوات طويلة منذ أكثر من (70) عاماً وذلك معروف للجميع ولذلك تأتي (اتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين) تتويجاً لهذه العلاقة القوية والمتينة جداً وهي ضربة معلم من المعلم الذكي الأمير محمد بن سلمان الذي يعلم جيداً كيف ومتى يتحرك لمثل هذه الأمور، بتخطيط مدروس بعناية فائقة، وقبل كل ذلك فالعلاقات السعودية الباكستانية هي علاقات تاريخية وثيقة وودية إلى حد كبير جداً، وتعتبر هذه العلاقات رائدة وقوية في العالم الإسلامي، حيث سعت السعودية وباكستان لتطوير العلاقات التجارية، والثقافية، والدينية، والسياسية، والإستراتيجية منذ تأسيس باكستان في عام 1947م، وتعتبر المملكة العربية السعودية باكستان أقرب حليف لها من غير العرب، وأقرب حليف من المسلمين، وفقاً لمركز (بيو للدراسات) أن 95 % من الباكستانيين يفضِّلون السعودية، ولا يرون فيها أي شيء سلبي إطلاقاً، وباكستان تمتلك جيشاً يعتبر من أكبر الجيوش في العالم تسليحاً وتدريباً وكفاءةً، وكذلك هي الدولة المسلمة الوحيدة التي تمتلك أسلحة نووية مما جعلها مميزة في الميزان السعودي، وباكستان والسعودية محتفظتان بعلاقات عسكرية وثيقة جداً، حيث يقوم كل من الجيش الباكستاني والجيش السعودي بإجراء مناورات عسكرية مستمرة لتطوير سلاح المشاة وسلاح الجو والقوات البحرية، وقد تفاوضت السعودية مع باكستان على شراء صواريخ بالستية باكستانية، وشراء أسلحة نوعية من باكستان لتمكينها من مواجهة أي تهديدات محتملة أياً كانت هذه التهديدات كما موَّلت المملكة كثيراً من البرامج العسكرية ذات الأهمية العسكرية للدولتين، وأُقيمت العديد من المناورات مثل مناورات (الصمصام) في عام 2011م ومناورات (صقر السلام) وهي مناورة عسكرية جوية مشتركة تُقام بين كل من سلاح الجو السعودي، وسلاح الجو التركي، وسلاح الجو الباكستاني، وتشارك فيها كل دولة بعناصر من قواتها الجوية، وكذلك أيضاً مناورات (نسيم البحر) بين القوات البحرية الملكية السعودية، والقوات الباكستانية، وغير ذلك من المناورات العسكرية التي تجري بين الدولتين من وقت لآخر، وفي الآونة الأخيرة رأت المملكة العربية السعودية بنظرة ثاقبة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي العهد الأمير الفذ محمد بن سلمان رأت توسيع هذه الشراكة إلى شراكة دفاعية راسخة وواسعة باتفاقية كبرى اتفاقية إتراتيجية أتت في الوقت المناسب جداً، نظراً لتقلّبات الأحوال والأجواء في العالم كافة والشرق الأوسط خاصة، وتضمنت هذه الاتفاقية أن أي هجوم خارجي مسلَّح على أحد البلدين يعتبر اعتداء على كليهما، وهذا بحد ذاته نصر للبلدين، ووقَّع (اتفاقية الدفاع الإستراتيجي المشترك) ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ورئيس الوزراء الباكستاني محمد شهباز شريف، في الرياض بعد جلسة محادثات رسمية، تضمنت العديد من الاتفاقيات الأخرى، وتأتي هذه الاتفاقية تتويجاً لمسار طويل من التعاون الأمني والعسكري بين البلدين وتمضي الآن نحو فصل (جديد) من الشراكة الدفاعية التي تقوم على مبدأ المصير الأمني الواحد لكلا البلدين، وهي رسالة واضحة لمن أراد المساس بأمن وسلامة البلدين، ويرى المراقبون أن الاتفاقية الجديدة لا تستهدف أي طرف بعينه، ولا تمثِّل بديلاً عن أي تعاون قائم مع دول أخرى، بل تُعدّ ممارسة طبيعية لحق سيادي مشروع، وهي تعكس إدراكاً متبادلاً أن التحديات الأمنية المعاصرة لم تعد محصورة في نطاق حدود وطنية، بل عابرة للمنطقة والقارات، من هنا تأمل صياغة اتفاق واضح، يضع البلدين في جبهة دفاعية واحدة، ويمنحها قوة ردع إضافية في ظل التحولات الجارية في النظام الدولي، وتبدل التحالفات التقليدية، ثم إنها لم تكن هذه الاتفاقية وليدة الحاضر وحسب، بل امتداد طبيعي لعقود من التعاون الدفاعي بين الرياض وإسلام أباد، وتتكئ على سنين بدأت منذ ستينات القرن الماضي حين بدأ أول أشكال التدريب والتنسيق العسكري بين البلدين، وعلى مدى عقود نفذت القوات المسلحة للبلدين مناورات متعددة كما ذكرت سابقاً شملت الجوانب الجوية والبحرية، والبرية، وأسست لبنية دفاعية متينة عزَّزتها اتفاقيات في مجال الإنتاج العسكري المزدوج والتعاون الفني المترابط، ومع ذلك فإن إدراج بند (يعتبر أي اعتداء على أحد الطرفين هجوماً على الآخر) يمثِّل نقلة نوعية غير مسبوقة، ترفع سقف الالتزام إلى مستوى الشراكات الدفاعية الكبرى، والعلاقات السعودية الباكستانية تحمل زخماً كبيراً خلال العقود الثمانية الماضية. زيارات متبادلة بين قادة البلدين أسهمت في تحويل الروابط التاريخية إلى شراكة إستراتيجية شاملة.. لذلك لا يأتي المنظِّرون ويرون أن هذه الاتفاقية الأخيرة جديدة على البلدين، بل هي نتاج عمل مشترك للبلدين منذ سنوات أثمر عن هذه الاتفاقية وغيرها من الاتفاقيات، وأرى أن هذه الاتفاقية فيها خير للإسام والمسلمين والبلدين بشكل خاص. نسأل المولى أن يتوِّج جهود البلدين المسلمين بالخير والنماء والسلام الدائم.