إبراهيم بن سعد الماجد
عندما نكتب عن سيرة قائد أو عالم، فإننا في الحقيقة نساهم في كتابة تاريخ مرحلة من مراحل الدولة والوطن.
ما نقرأه في السير، ماهو إلا تسجيل انطباعات عن مراحل مرّت انبرى لها صاحب قلم فأودع التاريخ معلومة أو أثرا، فأثرى المكتبة بمعلومات جعلت منا ننقل عنه هذا الرأي، أو تلك المعلومة مما ينير لنا طريق معرفة مرحلة من مراحل تلك الدولة، وهذا الإنسان.
التاريخ في حقيقته ما هو إلا انطباعات سجّلت بأقلام معاصرين، مما أتاح للمحللين فيما بعد دراسة تاريخ تلك المرحلة من الزمن.
الملك سلمان بن عبدالعزيز، الملك السابع في تاريخ الدولة السعودية الثالثة، والملك السادس بعد والده الملك المؤسس، يُعد من الشخصيات المهتمة بالتاريخ عموماً، وتاريخ هذه البلاد قيادة وأرضاً على وجه الخصوص، وفي أكثر من مقال ذكرت مراجعاته وملاحظاته على بعض الكتاب والمؤلفين فيما ما يكتبون، وهذا مما يؤكد على أنه -حفظه الله- ملم إلماماً كبيراً بتاريخ الجزيرة العربية بشكل عام.
وفي جانب آخر يُعد الملك سلمان من الشخصيات القيادية المعتزة بلغتها العربية وبتاريخ أمته الإسلامية، ولعل قراءة بعض كلماته يعطينا انطباعا واضحاً.
يقول في إحدى كلماته:
«إن من أجلِّ النعم على أمة الإسلام نعمة القرآن الكريم الذي نزل بلسان عربي مبين. قال تعالى: {إنا أنزلناه قرآنًا عربيًّا لعلكم تعقلون}، فقد حفظ هذا الكتاب المبين لأمة العرب لغتها، ولأمة الإسلام طريق الخير والهداية وسائر الأحكام، ولشبابها أحسن الأخلاق والآداب، ثم إن من النعم الكبرى التي تستوجب الشكر أننا نعيش في دولة أُسست على هدى من كتاب الله الكريم، وسنة رسوله الأمين -صلى الله عليه وسلم-، تطبق شرعه، وتقيم حدوده، وتلتزم عقيدته في سائر تعاملاتها الداخلية والخارجية».
هذا النص من كلمته -حفظه الله- هو في الحقيقة جزء مهم من سياسة دولة وتاريخ أمة، يعطي القارئ ولو بعد قرون معرفة دقيقة بتاريخ هذه الدولة وسياستها ونظامها.
وفي كلمة أخرى يقول:
«إن الثقافة العربية الإسلامية تأثرت ونقلت الثقافة الإغريقية والرومانية، وكانت أوروبا في ذلك الوقت لا ينظر إليها كما ينظر إليها الآن، وقد انصهرت هذه الثقافات، وبدأت مع الأندلس، وكل منكم يقرأ ويعرف تأثير هذه الثقافة في العالم... نحن كبشر نؤثر ونتأثر؛ لذلك يجب أن يكون في ذهن الجميع أننا لسنا في غنى عن الثقافة، بل قبل الرسالة الإسلامية عرف هناك الأدب العربي المقفى والمنثور وما امتد من هذه الثقافة إلى الثقافة الحالية، ويجب أن نعتز بماضينا وثقافتنا وروادنا مثل ما يحدث في البلدان العريقة».
يؤرخ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في كلمته للثقافة بشكلٍ دقيق ومفصّل، محلياً وعالمياً، ويؤصل الفكرة، مما يجعلنا أمام قراءة مشروعة للثقافات عموماً، كيف لا وهو الرجل القارئ المطلع منذ نعومة أظفاره.
والحديث حول تدوين الملك سلمان للتاريخ في كلماته يطول، ولعلنا نختم بهذا النص:
«إن هذه البلاد ملكًا وحكومة وشعبًا تتحمل في سبيل دينها وعروبتها لأنها هي منبع هذا الدين، وهي مهبط الوحي والرسالة، وأصل العروبة ولذلك تتحمل كل ما يأتيها من أذى في سبيل هذا الهدف النبيل».
رسالة واضحة، لهدف عظيم، تتحمل في سبيله قيادة هذه البلاد وشعبها ما قد يأتيها من أذى، وما ذلك إلا لعظم رسالتها، ونبل هدفها.
هنا نسجّل تاريخ لهذا القائد في الذكرى الحادية عشرة لتوليه حفظه الله مقاليد الحكم.
فهنا التاريخ والإنسان والحضارة.