د. يعقوب بن يوسف العنقري
للأيديولوجيات دور في صناعة الصورة الذهنية الخاطئة حول وطننا الغالي، ولها أساليبها وأدواتها المتنوعة التي تسلكها وتنهجها في سبيل ذلك، والهدف الموحد بينها هو خلق الصورة الذهنية الخاطئة عن المملكة العربية السعودية ولاة أمرها، وعلمائها، ومؤسساتها، وسياساتها الداخلية والخارجية، ومجتمعها، وبالتالي صناعة الكراهية وإذكاء العداوة والبغضاء، وتكريس الشحناء والشائعات تجاهها، وإخفاء دورها الديني والسياسي والإنساني المحلي والإقليمي والعالمي الرائد، وحكمتها وتأثيرها وقيادتها الرشيدة وتشويهه، وحال أصحاب هذه الأيديولوجيات كما قال الإمام الشافعي:
وَعَينُ الرِضا عَن كُلِّ عَيبٍ كَليلَةٌ
وَلَكِنَّ عَينَ السُخطِ تُبدي المَساوِيا
والشيء بالشيء يذكر أنني أثناء دراستي للماجستير في المملكة المتحدة قبل سنوات، جرى حديث عابر بيني وبين أحد الأفراد، وكان قد سألني عن بلدي فذكرت بأنني من السعودية، وسألته باعتبار بلادنا تضم في جنباتها الحرمين الشريفين، هل سبق له زيارة للمملكة العربية السعودية؟، لكنني فوجئت بقوله -وهذا بيت القصيد- قال: إنكم في السعودية تغلقون المساجد!!، فأوضحت له بأن المساجد إنما تغلق بعد الصلاة صيانة لها وحرصاً عليها من العبث والسرقة للأجهزة وغيرها، لكن لم يعجبه قولي ذلك!، وعرفت حينها من لحن حديثه أنه شخص مؤدلج على صورة ذهنية معينة تجاه وطننا، ولو كان لديه أدنى علم لعرف صفاقة فكره وشناعة افترائه.
أقول لو رجع مثل هذا وغيره إلى كلام العلماء الراسخين وتفقهوا في الدين على بصيرة لما وقع منهم ذلك، وتذكرت كلام العلماء السابقين وتناولهم لهذه المسائل، فقد قال الشَّيزَرِي في كتابه (نهاية الرتبة في طلب الحسبة): « ويُشرف -يعني ولي الأمر أو من ينيبه - على الجوامع والمساجد، ويأمر قَوَمَتها بكنسها في كل يوم، وتنظيفها من الأوساخ.. ويأمرهم بغلق أبوابها عقيب كل صلاة، وصيانتها من الصبيان والمجانين، وممن يأكل الطعام أو ينام، أو يعمل صناعة، أو يبيع سلعة، أو ينشد ضالة، أو يجلس فيها للناس لحديث الدنيا».
وكذلك ما قاله الزركشي في كتابه (إعلام الساجد بأحكام المساجد) قال: « كان فتحها سائغًا في زمن السلف، أما زمننا وقد كثرت الجنايات، فلا بأس بإغلاقه، احتياطًا على متاع المسجد، وتحرزًا من نقب بيوت الجيران من المسجد».
وكذلك ما قاله ابن بطال في كتابه (شرح صحيح البخاري) قال: «اتخاذ الأبواب للمساجد واجب، لتصان عن مكان الريب، وتنزه عما لا يصلح فيها من غير الطاعات».
وهذا الموقف من هذا الإنسان المؤدلج ما هو إلا مثال ضمن أمثلة كثيرة قديمة وحديثة لما يتعرض له وطننا الغالي منذ تأسيسه من صناعة لصور ذهنية زائفة حوله من قبل الأيدولوجيات، لكن الوعي بها هو أقوى أداة تبطل تأثيرها، وتكشف زيفها.