رسيني الرسيني
كم ستكون الإيرادات؟ وكم الإنفاق؟ ولماذا هذا الفرق؟ كل هذه الأسئلة والإيضاحات الأخرى في البيان التمهيدي، أي قبل اعتماد الميزانية، وذلك في إطار استمرار جهود وزارة المالية نحو تعزيز مبادئ الشفافية والتواصل مع كافة فئات المجتمع، إذ أصدرت الوزارة البيان التمهيدي للميزانية العامة للدولة لعام 2026م بهدف تسليط الضوء على أبرز التطورات الاقتصادية المحلية والعالمية التي تؤثر في أداء المالية العامة.
كما يأتي هذا البيان في سياق دعم التخطيط المالي المستدام ووضع الميزانية ضمن إطار شامل متوسط المدى، بما يتيح وضوحًا في الرؤية للمهتمين من محللين واقتصاديين ومواطنين ومقيمين. ويُعنى البيان كذلك باستعراض المؤشرات المالية المتوقعة، والمخاطر المحتملة، والممكنات الاقتصادية التي تعزز تحقيق مستهدفات رؤية المملكة.
تشير التقديرات الأولية إلى أن الاقتصاد السعودي يسير بثبات نحو تحقيق نمو في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 4.6% خلال عام 2026م، مدفوعًا بازدهار الأنشطة غير النفطية نتيجة التوسع المستمر في تنويع القاعدة الاقتصادية. كما يتوقع أن ترتفع الإيرادات إلى نحو 1,147 مليار ريال في عام 2026م، وتواصل الارتفاع حتى تصل إلى 1,294 مليار ريال بحلول عام 2028م، ما يعكس التحسن في كفاءة السياسات المالية. أما على صعيد النفقات، فمن المرتقب أن تبلغ حوالي 1,313 مليار ريال في عام 2026م، لتصل إلى قرابة 1,419 مليار ريال في عام 2028م، وذلك نتيجة تسريع تنفيذ عدد من البرامج التنموية والمشروعات الكبرى.
كما يتوقع أن تسجل ميزانية عام 2026م عجزًا يبلغ حوالي 3.3% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو عجز محمود يأتي نتيجة استمرار الحكومة في تبني سياسات الإنفاق التوسعي الإستراتيجي، بهدف دعم المشاريع ذات الأثر الاقتصادي والاجتماعي طويل المدى.
ويُتوقع أن يتراجع مستوى هذا العجز تدريجيًا على المدى المتوسط، مما يدل على أن العجز الحالي ليس مؤشرًا سلبيًا بل هو استثمار مدروس في المستقبل، يعكس التزام الحكومة بالموازنة بين النمو الاقتصادي والتحفيز المالي دون الإخلال بالاستدامة، وقد كتبت سابقًا مقالة بعنوان: هل عجز الميزانية عجز؟ أدعو القارئ الكريم الاطلاع عليها.
ومن جانب تحليلي، تعكس مؤشرات البيان التمهيدي لميزانية 2026م توجهًا متوازنًا بين التوسع في الإنفاق لتحقيق أهداف التنمية، والمحافظة على كفاءة الموارد المالية. ويُعزز هذا النهج من مشاركة القطاع الخاص في دفع عجلة التنمية، مع الحرص على ضبط مستويات الدين العام ضمن حدود آمنة.
وقد أكدت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني هذا التوجه الإيجابي، مشيرة إلى انسجام التوقعات الحكومية بنمو الإيرادات بنسبة 5.1% مع الأداء القوي للقطاع غير النفطي، إضافة إلى مساهمة الزيادة المتوقعة في إنتاج النفط للحد من تأثير تقلبات الأسعار، مما يدعم النظرة المستقبلية المستقرة للاقتصاد السعودي.
حسنًا، ثم ماذا؟
يمثل عام 2026م انطلاقة المرحلة الثالثة من رؤية السعودية 2030، والتي تُعنى بتسريع وتيرة التنفيذ وتوسيع آفاق النمو، مع التركيز على تعزيز فاعلية البرامج والمبادرات، بما يضمن تحقيق أثر مستدام يتجاوز عام 2030م ويدعم استمرارية التنمية على المدى الطويل. ولهذا الشأن مقالة أخرى- بمشيئة الله.