هياء الدكان
في هذا العالم الرقمي الذي تضج فيه الرسائل وتتزاحم فيه المجموعات، قد لا ننتبه أن وجودنا في كل مجموعة هو مساحة لترك أثر، وليس مجرّد اسم مضاف أو رقم عابر، وبين هذه الزحمة، يتميّز البعض بأخلاقهم، وذوقهم، ونُبل تعاملهم، فيتركون بصمة لا تُنسى، ويستثمرونها في لم الشمل وألفة القلوب.
وفي زمن أصبحت فيه المجموعات الإلكترونية جزءًا لا يتجزأ من يومنا، ومع ازدياد استخدامها لأغراض متعددة، من العمل والتعليم إلى الأقارب والتواصل الاجتماعي، تبرز الحاجة للحديث عن ثقافة استخدامها، وآدابها التي تحفظ الاحترام، وتصون العلاقات، وتجعل منها بيئة صحية وثرية فلنبحر معاً فيما يعيننا بعون الله على ذلك وأكثر:
حين تُضاف إلى مجموعة واتساب، أو تنشئ واحدة، تذكّر أن الله قدّر لك أن تكون ضمنها، فليكن لك هدف خاص في كل مجموعة أنت بها كن نافعًا، فاعلًا ذا أثر. لا تكن مجرد متلقٍ أو ناقل، بل شارك بما ينفع، واستأذن بلطف إن رغبت بالخروج، ولا تنس أن التجمعات الرقمية لا تقل شأنًا عن الواقعية، فأدب الحضور فيها لا يقل أهمية عن أدب المجلس.
ابدأ دائمًا بنية صالحة، وجددها بين وقت وآخر. واستعن بالله واجعل مشاركاتك خالصة لوجه الله، نافعة للناس، وراقب ما تكتب؛ فكل كلمة تُقرأ بصوت نيتك واسأل الله البركة، والتوفيق، والسداد في كل تفاعل. وإن أخطأت، فاعتذر دون تردد فالاعتذار لا يُقلل من قدرك، بل يزيدك تقديرًا ورفعة والناس لا تنسى من يعتذر لها بأدب، بل تحفظ له ذلك في قلوبها عمراً.
احترم طبيعة كل مجموعة، واعرف سياقها فلا تتحدث خارج موضوعها، ولا تفرض آراءك، ولا تتصدر دون إذن. في مجموعات العمل، تجنب الإرسال خارج أوقات الدوام ما لم يكن هناك اتفاق. وفي مجموعات العلم، انتظر تعليمات المنظم أو المدرب المعلم وإن كنت لا تعرف لماذا أضفت إلى مجموعة، فتأنّ، وامنح نفسك وقتًا لفهم الغرض، ثم قرر الخروج بلطف، دون تجريح أو إساءة.
التعامل الراقي يبدأ من الكلمات لا تعمم النكات، ولا تُضحك على لهجات، أو جنسيات، أو فئة، فأنت لا تعرف خلفيات الناس، ولا ظروفهم بعض الكلمات تضحكك وتُبكي غيرك فاحفظ الذوق، وتعامل برحمة، فالكلمة قد تجرح أو تداوي.
في مجموعات العائلة أو الأصدقاء، راعِ مشاعر الآخرين، وكن خفيفًا في الإرسال لا تُرسل بشكل متتابع، ولافرق بين الأعضاء في الأهمية والقدر ولا تُغرِق المجموعة برسائل كثيرة في وقت واحد ولا تتوقف أبداً عن الإرسال أو التفاعل كأنك غير موجود التوازن مطلوب واحترم أيضاً من يختار الصمت، فلكلٍ ظرفه وتجنب إرسال أخبار وفيات لا تخصهم فهذه مجموعة خاصة.
إذا دخلت مجموعة فإذا لم تستطع أن تطورها فلا تفرقها وتكون سبباً في تفريقها وفتح مجموعة أخرى بأعضاء أقل من نفس المجموعة الأولى دون مبرر عملي ظاهر حتى لا يؤثر سلباً أو تُفهم خطأ، قصدت أو لم تقصد، خاصة في مجموعات الأقارب أو الأصدقاء.
وللخروج من أي مجموعة، احرص على أدب الاعتذار، خاصة إن كان يجمعك بهم ود أو قرابة ولا تتعمد تجاهل أحد. إذا نُشر شيء أعجبك، عبّر عن امتنانك، وادعم صاحبه بكلمة طيبة أو حتى الرد برمز تفاعل.
وإذا انضم عضو جديد، فبادر بالترحيب، وامنحه شعور الانتماء، فإن ذلك يترك في النفس أثرًا لا يُنسى. احترم التخصصات، ولا تتحدث فيما لا تعلم تحدث فيما تحسنه، ولا تتعدّ حدود المعرفة، فزكاة العلم نشره، ولكن بأمانة وأدب.
كن حريصًا على التحقق من صحة ما تنقله قبل إرساله وابحث وتأكد وإلا اتركها، لا تنشر إشاعات، أو أخبار وفيات دون التأكد من مصدر موثوق ودون داع. فكم من نفسٍ أُوذيت بخبر نُقل دون تثبت وتذكّر أنك مسؤول عما تنشره، ولو نُقل عن غيرك.
لا تُشارك مقاطع غير لائقة، حتى لو بدا لك ظاهرها حسنًا. تجنّب ما فيه خلل أو ضرر أو كشف عورات أو إساءة لأشخاص، أو قطع رزق أحدٍ في متجره أو بضاعته فالتعميم والنشر مسؤولية الجهات ذات الاختصاص ليست مسؤولية أفراد والنقل يكون من مصدر موثوق.
تذكر أن كل صورة ومقطع تحمّله وتنشره، سيُعرض عليك يومًا ما وستحمله معك فاختر ما تحب أن تلقى الله به. وتجنّب تصوير الأطفال أو المرضى أو المحتاجين، ونشر صورهم دون إذن أو استشارة مختصين، حتى لو كان القصد إنسانيًا، فالنية الطيبة لا تُبرر التعدي على خصوصية الآخرين. كما أنه قد تُساءل نظامياً في كثير من الحالات.
حين ترى أحدهم متصلاً، لا تفترض أنه متاح لك ربما كان مشغولًا، أو يحتاج هدوءًا، أو يقرأ دعاءً اترك له رسالة لبقة، ولا تُلح بالاتصال أو الاستفهام والاحترام هنا أن تضع مشاعره قبل حاجتك. لاتضع أحداً في قائمة رسائل جماعية هو معك أساساً في مجموعة فتكرر الإرسال دون طلب منه ويحرج منك! وترهق ذاكرة جهازه. لا تُفسّر كل رسالة وكأنها موجهة لك فقد تكون وصلتك لأنه يأمل فيك خيراً فترسلها لغيرك ليعم النفع لا تُحمّل الكلمات أكثر مما تحتمل، ولا تجعل الحساسية تقودك للانزعاج من كل عبارة.
وتذكّر: الظن السيئ يُربك العلاقات، ويُهدر المودة. وفي كل تفاعل، راقب نفسك، وسامح غيرك، وقل خيرًا وخيراً ثم خيرا.
وأخيرًا، للأعضاء المتفاعلين والداعمين الذين يستقبلون الأعضاء الجدد بكلمة ترحيب جميلة، أو يحيّون رسائل المشاركين النشيطين بامتنان، كل الشكر والتقدير.. فهم يُشعرون الآخرين بقيمتهم، ويجعلون المجموعات أكثر دفئًا وتقديرًا، دون تكلف أو ضجيج. في الختام، المجموعات ليست أرقامًا وأسماء، بل أرواح تتلاقى. كن كما تحب أن يُقال عنك إن غبت، وكما تحب أن تُعامل لو كنت متلقيًا واجعل تواصلك الرقمي شاهدًا لك لا عليك.