أ.د.عثمان بن صالح العامر
بمنهجية علمية رصينة، وأسلوب سهل ممتنع، يفهمه الكل، ويدرك أبعاده وفحواه الجميع، استشرف سعادة المهندس: عبدالله بن إبراهيم الرخيص مستقبل اقتصادنا الوطني خلال السنوات القريبة القادمة، مؤسساً دراسته الشمولية الرائعة، على مسلمة رصينة، وذات بعد دلالي عميق، ألا وهي: (انخفاض النمو السكاني في المملكة بوتيرة متسارعة خلال العشرين سنة الماضية، وازدياد انخفاض معدل الخصوبة في السنوات العشر الأخيرة) مدللاً على هذه المسلمة بالأرقام الرسمية، والمؤشرات الميدانية الدقيقة، ناقضاً فيما ذهبت إليه (نظرية ماتوس) المعروفة، وضارباً عرض الحائط بالدارونية (نظرية أصل الأنواع) التي جزمت أن الطبيعة هي من ستقوم بإبادة الضعفاء والفقراء والإبقاء على الصلحاء والأقوياء من خلال آليات الانتخاب الطبيعي، ومن ثم تحقيق التوازن الاقتصادي في المجتمع بين (عدد السكان) من جهة، و(الموارد المتاحة) من جهة أخرى.
والخطورة المبنية على هذه المسلمة - في نظر الكاتب - تكمن في أن برامج رؤية المملكة 2030 تتطلب نمو ضعف عدد السكان الحالي عام 2050 وما بعده لكي يكون الاستثمار في أصول وفرص ومشروعات الرؤية مجدياً اقتصادياً، ويتوافق مع متطلبات المرحلة التنموية، وهذا لن يتحقق بالطبع في ظل معطيات الواقع الحالي حيث الانكماش السكاني الملحوظ.
وفي الوقت الذي يبين فيه (الرخيص) الأسباب الكامنة وراء هذه الإشكالية التي تتعاظم كل سنة بعد أخرى ككرة الثلج المتدحرجة بكل شفافية ومصداقية ووضوح يسوق عددا من السياسيات المهمة التي لابد من الشروع فيها من أجل تلافي الخاطر القادم، معززاً دراسته هذه بعدد من التجارب العالمية الموثقة في مصادر علمية محكمة، ومن بين الأسباب التي عرج عليها الكاتب في ثنايا دراسته المتميزة:
- مضاعفة نسبة المشاركة النسائية خلال ثماني سنوات إذ أدت هذه المشاركة إلى صدمة سوق العمل السعودي، ومن ثم سرّعت في تأخر الزواج وتراجع المواليد، مع العلم أنه لا أحد يجادل في أهمية تمكين المرأة من المشاركة الفعالة في السوق ولكن بقدر، وبأرقام مدروسة.
- ارتفاع تكاليف المعيشة ما أضعف قدرة الشباب على الزواج والإنجاب.
- ارتفاع بطالة الشباب في بعض مناطق المملكة، مما حرم هذه الفئة من الدخل، وهذا أدى بالطبع إلى تأخر سن الزواج لديهم، ومن ثم انخفاض نسبة المواليد.
- تغيّر نمط الحياة للأجيال الجديدة التي نزعت غالبيتها نحو الفردانية والاستقلال المالي، مع سهولة الوصول إلى وسائل منع الحمل.
- غياب منظومة حوكمة ديموغرافية متكاملة، إذ تُتخذ بعض القرارات - للأسف الشديد - من دون دراسات معمّقة ولا قواعد بيانات دقيقة.
هذا ما سمحت به المساحة المخصصة للمقال، وإن كان ما ورد أعلاه لا يغني عن قراءة هذه الدراسة ومدارستها والحوار حولها والتفكر في أبعادها المستقبلية المفصلية من قبل صناع القرار وأهل الرأي والأكاديميين المتخصصين في وطننا العزيز المملكة العربية السعودية، ودمت عزيزاً يا وطني..
وإلى لقاء والسلام.