أحمد الجروان
مع مرور الوقت، صرت أشعر أن مترو الرياض اختصر عليّ الكثير.
ستة أشهر مضت، قضيت فيها ما يقارب 186 ساعة بين مقاعده وممراته.
كل رحلة تحمل حكاية، بعضها يصرّ أن يُكتب، وبعضها يذوب في الزحام.
جلست أراقب بهدوئي المعتاد، إذ دخل رجلان وجلسا متقاربين.
انطلق بينهما كلام عن زيارتهما للمتحف الوطني.
راحا يصفان القاعات، منذ بداية الرحلة حتى الختام.
شعرت أن كلماتهما تملأ المكان، وتحوّل العربة إلى معرض صغير من الكلمات.
حين استمعت إليهما، تذكرت أنني مررت بهذه المحطة من قبل.
المتحف الوطني.
محطة واسعة، بطاقة استيعابية كبيرة.
تتصل بمسار آخر، وتفتح أبوابها نحو قلب العاصمة، حيث التاريخ حاضر،
والمتحف الوطني السعودي ينتظر الداخلين.
اسمها يترك أثرًا مختلفًا، كأنه إشارة تمتد من المحطة إلى ذاكرة الوطن.
أحدهما بدأ كلامه:
المتحف يحكي تاريخ المملكة من التأسيس حتى اليوم.
القاعات تأخذك في فصول متتابعة، تعرض الصور والوثائق والقطع النادرة، وتجعل الزائر يعيش المشهد كأنه حاضر فيه.
رد صاحبه:
أكثر ما يلفت النظر هو حضور المؤسس، طيب الله ثراه.
رؤيته في توحيد البلاد، وبناء الدولة الحديثة، تظهر واضحة في تفاصيل المعرض، وتمنح التجربة معنى مختلفًا، كأنه درس حيّ في الذاكرة.
سرد الأول تاريخ بداية المتحف، فأدهشني قدَمه، إذ قال:
بدايته عام 1964 في حي الشميسي، وانتقل إلى مركز الملك عبدالعزيز التاريخي عام 1998، ودشّنه الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله-.
أضاف الآخر أن المتحف يتألف من ثماني قاعات، مرتبة كرحلة زمنية متصلة، تبدأ من العصور القديمة، وتتدرج عبر المراحل التاريخية، حتى تصل إلى العصر السعودي.
كل قاعة تحمل ملامح مرحلة، وتحكي جزءًا من الهوية، ليخرج الزائر بصورة أوضح عن امتداد هذا الوطن.
اقترح الأول:
هذا المتحف وجهة ثقافية وسياحية في آن واحد، وأراه مكانًا مناسبًا يُرشَّح ضمن الجولات التي تنظمها الجهات الحكومية والخاصة، ليتعرف الزائر على تاريخ المملكة قبل أن يبدأ أي جولة في أرجاء الرياض أو خارجها.
أيده الثاني قائلاً:
الفكرة أن تكون البداية من التاريخ، ليخرج الزائر بصورة شاملة، ترافقه في جولاته الأخرى، وتجعل كل ما يراه مرتبطًا بجذور أعمق لهذا الوطن.
تركت حديثهم جانبًا، وبدأت أفكر في المحطة التي حملت اسم المتحف.
كيف تحولت من رصيف للنقل، إلى معبر يفتح الطريق نحو الثقافة.
خطوات قليلة تختصر المسافة،
وتربط بين رحلة القطار وذاكرة الوطن، لتظهر أن المحطات يمكن أن تكون جسورًا للذاكرة، ومسارات تحافظ على حضور التاريخ في قلب العاصمة.
ومن هناك خرجت بفكرة أن الرحلة تتحول إلى معنى، يلازمك كلما عبرت المدينة.