د. فهد بن عبدالله الخلف
أهداني الصديق الزميل الدكتور محمّد الخزّي مشكورًا كتابه الصادر حديثًا عن أسرته الممتدّة آل مسعود من تميم، والكتاب من مطبوعات جداول للنشر والترجمة والتوزيع، وهو من القطع المتوسّط ويقع في أربع وستّين ومئتي صفحة، وبناء الكتاب يتألّف من تقديم واستهلال ومدخل، ويحوي أربعة فصول: الأوّل منها عنوانه: (آل مسعود التميميّون: الجذور)، والثاني عنوانه: (آل مسعود التميميّون: السِّيَر)، ويحوي ستّة وستّين ترجمةً لأعلام مُنتَقين من آل مسعود التميميّين، والثالث عنوانه: (آل مسعود التميميّون: الحوارات)، وفيه تسعة حوارات مع أعلام منتقين من آل مسعود التميميّين، والرابع عنوانه: (قالوا في آل مسعود التميميّين)، ويشتمل على قصائد لاثني عشر شاعرًا من آل مسعود التميميّين، وغيرها من القبائل العربيّة، ثمّ ختم متن الكتاب بملحق عنوانه: (ملحق المشجّرات) وفيه ثلاث مشجّرات، ووسم، عنوان المشجّرة الأولى: (مشجّرة فخذ الوهبة من بطن حنظلة من قبيلة تميم للشيخ خالد بن عبد الرحمن أبانمي)، وعنوان المشجّرة الثانية: (مشجّرة فخذ الوهبة من بطن حنظلة من قبيلة تميم للشيخ عبد الله بن سيف المهنّا)، وعنوان المشجّرة الثالثة: (رأس مشجّرة عشيرة آل مسعود التميميّ للأستاذ محّمد بن عبد الله الخزّي)، أمّا الوسم فهو وسم لحلال آل مسعود التميميّ، واسمه (البرثن).
ويمتاز هذا الكتاب بمزايا متعدّدة لعلّ من أبرزها ما يأتي:
الأوّل: المنهج الدقيق في تنظيم فصول الكتاب، وذلك جليّ في فصل سير آل مسعود من تميم يقول المؤلّف: «وهي نماذج لسير متنوّعة على مستويين اثنين: المستوى الأوّل المستوى التاريخي من خلال المواءمة بين سير الأجداد القدماء، وسير رجال من أجيال الوسط، وسير شخصيات حديثة، والمستوى الثاني المستوى الأُسْريّ أي: الموازنة قدر الإمكان في توزيع عدد السير على فروع أسر المساعيد كافّة مرتّبة الظهور حسب تواريخ الولادة ثمّ تواريخ الوفاة ثمّ الأحياء ومتفاوتة الحجم بين النبذة الموجزة والسيرة المفصّلة حسب المعلومات المتاحة مع الإبقاء على الألقاب الشهيرة، وإن حذفت للتمييز بين الفروع» (ص33، ص34)
الثاني: مرجع رصين حوى سيرًا وحواراتٍ مبنيّةً على مصادرَ أصيلةٍ من وثائقَ، ومقابلاتٍ مع بعض الأعلام الرواة من آل مسعود التميميّين، ومصادر عامّة ومصادر خاصّة وهي متنوّعة ما بين كتب ومجلّات.
الثالث: الكتاب -بحسب اطّلاعي القاصر- أوّل كتاب خاصّ عن آل مسعود من تميم جمع بين دفتيه ثلاثة محاور رئيسة هي: جذور آل مسعود من تميم، وسير بعض أعلامهم، وحوارات مع بعض أعلامهم ورواتهم، فهو يسدّ ثغرة مهمّة في تاريخ المملكة المحلّي الخاصّ بهذا البطن من تميم من سكّان بلدة القوعي.
والكتاب يعالج موضوعًا واحدًا وهو تاريخ إنجازات آل مسعود التميميّين وتراجم لأبرز رجالاتها، فهو مزيج من تاريخ الأحداث، وتاريخ الرجال. والسبب الذي دفع المؤلّف إلى كتابة هذا الكتاب هو في قوله: «حديث عن جذور آل مسعود التميميّين، وسير بعض شخصياتهم القديمة والحديثة، وحوارات متفرّقة أجريت مع بعض رجالاتهم في مواضع وتواريخ مختلفة، وبعض الشعر الذي قيل في مآثرهم» (ص15)، ويبدو لي أنّ المؤلّف فضّل الكتابة في هذا الموضوع؛ لتوثيق تاريخ آل مسعود التميميّين بأحداثه ورجاله وما قيل فيهم من شعر يخلّد مناقبهم، ووجهة النظر التي انطلق منها المؤلّف في كتابة كتابه الرصد الموضوعيّ المبنيّ على الوثائق الخاصّة بآل مسعود التميميّين، والكتاب أيضًا يرصد معلوماتٍ تراكميّةً حول ما كتب عن آل مسعود التميميّين من وثائقَ وحواراتٍ وأشعارٍ ومقولاتٍ، وميدان الكتاب هو تاريخ آل مسعود من قبيلة تميم، وهو ينتمي إلى التاريخ المحلّي السعوديّ الخاصّ بالعائلات، ويجدر بالذكر أنّ المؤلّف قد حقّق في كتابه ما وعد به من أهداف ذكرها في المقدّمة.
أمّا من حيث المنهجيّة العلميّة فقد وفّق المؤلّف في كتابه أيَّما توفيق، فهو يتميّز بإنصافه الأكاديميّ الذي منعه من التحيّز إلى مصادر قديمة لمجرّد قدمها أو إلى مصادر حديثة لمجرّد حداثتها، فقد زاوج بين المصادر القديمة مثل: صفة جزيرة العرب للهمدانيّ، وبلاد العرب للأصفهانيّ، وبين المصادر الحدية مثل: معجم بلاد القصيم ومعجم أسر الرسّ وكلاهما لمحمّد العبودي، وزاوج أيضًا بين الكتب والمجلّات والصحف، والروايات الشفهيّة التي رتّبها ترتيبًا تاريخيًّا، ويتميّز المؤلّف برأيه المستقلّ الذي قد يخالف فيه بعض المصادر أحيانًا، وهذا جليّ في قوله: «صحيح أنّ مزرعة الحميدانيّة مزرعة قديمة تعود إلى ما قبل عام 1200هـ، وصحيح أنّ الذي بدعها هو حميدان بن مسعود لكنّه ليس جدّ عشيرة آل مسعود التميمي كافّة، وإنّما هو الابن الثاني من أبناء الجدّ مسعود، وأب لمسعود بن حميدان جدّ فرع واحد من فروعها الثلاثة الكبيرة هو فرع المسعود (المشل والوعل) فقط» (ص25، الحاشية: 1).
ويتميّز المؤلّف أيضًا بفهمه الدقيق لما قرأه من مصادر بحثه ومراجعه من كتب ومجلّات وصحف عن آل مسعود التميميّين، أو ما سمعه من روايات شفهيّة حول تاريخ أحداث آل مسعود وتراجم رجالهم، وهذا يتّضح من تعليقه على كثير من المواضع التي تحتاج إلى تعليق مثل قوله: «وممّا يرجّح هذا التاريخ أيضًا الجوار الذي نصّت عليه وثيقة الأوقاف المشار إليها بين محمّد بن مسعود، وعمر بن فوزان في بلدة القوعي، وربّما اشتراكهما في مُلْك واحد، وهذا يعني تجايل أبويهما على الأرجح ووالد عمر فوزان بن شارخ بن محمّد بن عليّ هو الحفيد المباشر لجدّ محافظ الرس العجمان محمّد بن عليّ المرجّح وصوله إلى الرسّ واستقراره فيها عام 970هـ، وإذا كان الأمر كذلك فهذا يرجّح حياة الرجلين وربّما تقدمهما في السنّ في بحر منتصف القرن المذكور قبل 1150هـ بعشر أو عشرين سنة» (ص26)، وكان نقله للمعلومات دقيقًا ومراعيًا للترتيب التاريخيّ الذي يساعد على تسلسل الروايات ومعرفة موارد بعض الآراء، واستعان المؤلّف بالحجج والشواهد التي تساعده على تكوين رأي حول ما قرأه، وقد وظّف الحواشي توظيفًا دقيقًا في إيضاح ما يحتاج إلى إيضاح في المتن، وهذا واضح في حواشيه في الصفحات ص40، ص41، ص42، ص43، ص44، ص45، ص46، وغيرها من الحواشي، وكانت معالجته لموضوعات الكتاب منتقاة انتقاءً ذكيًّا مبنيًّا على منهجيّة اختطّها لكتابه، والكتاب -بحسب علمي- جديد في بابه، وغير متّصل بأعمال أخرى للمؤلّف، والمؤلّف في كتابه هذا مبتدع لطريقة جديدة في دراسة تاريخ أحداث أسرته وأبرز رجالها ذوي الإنجازات التي شهد لها التاريخ، و يكمن ابتداعه في تقسيم الكتاب إلى جذور وسير وحوارات، وقد استفدنا بوصفنا قارئين للكتاب معرفة شاملة بإنجازات آل مسعود في خدمة الوطن: المملكة العربيّة السعوديّة، فبحسب علمي أنّه لم يصنّف حولهم كتاب مستقلّ بهذا الإيجاز والغزارة المعرفيّة، فقد كانت أخبارهم قبل ذلك متفرّقة في الوثائق والروايات الشفهيّة، فجاء هذا الكتاب فجمع المتفرّق في تلكم المدوّنات.
أمّا لغة المؤلّف فكانت واضحة دقيقة في إيصال الأفكار متّسمة بالإيجاز غير المخلّ، ويغلب على جملها القصر الذي هو ديدن الكتابات العلميّة، واتّسمت لغة المؤلّف بالعلميّة وخلوّها من الإنشاء الفضفاض، وكانت أيضًا سليمة من حيث النحو والتصريف والإملاء.
ولا يخلو جهد بشريّ مهما حاول صاحبه من الإجادة والإتقان من بعض الهفوات اليسيرة التي لا تقلّل من قيمة الكتاب، وقد يكون مردّ هذه الهفوات إلى عدم فهم كاتب هذه السطور لمراد المؤلّف، ولعلّي أورد شيئًا من ذلك:
الأوّل: في الكتاب تسلسل منطقيّ بدأ من العامّ، وهو الحديث عن قبيلة بني تميم ثمّ نحا منحى التخصيص حتى وصل إلى آل مسعود التميميّين، وعندما استشهد بمقولات بعض العلماء المتقدّمين عن قبيلة تميم أغفل الترتيب التاريخيّ فبدأ بابن حزم (ت456هـ)، ثمّ ثنّى بابن سلّام الجمحيّ (ت232هـ)، وختم بدغفل الشيبانيّ (ت65هـ). (ص19)
الثاني: لم أفهم المقصود بـ(مندغمًا) في قول المؤلّف: «متماهيًا مع وجود المكوّنات الاجتماعيّة الأخرى مندغمًا فيها»(ص33)، ويبدو أن سبب عدم فهمي هو وجود خطأ مطبعيّ، أو أنّه مصطلح ندّ عنّي فهمه.
الثالث: يبدو لي أنّ هناك خطأ في كتابة (الأوشيقريّ) في قول المؤلّف: «من ذريّة الجدّ الأوشيقريّ»(ص33)، ويبدو لي أنّ لغة كاتب الوثيقة كانت تشبع بعض الحركات فنشأت الواو من إشباع ضمّة الهمزة، أو أنّه سهوٌ في الطباعة.
الرابع: ورد خطأ نحويّ في مقدّمة الدكتور خليفة المسعود للكتاب في قوله: «التي أولت التاريخ والأنساب عناية تامّة واهتمام كبير» (ص14)، وصوابه: واهتمامًا كبيرًا، وهذا الخطأ لا يعزى إلى المؤلّف، ولا يخفى على المؤلّف، ولكن يبدو لي أنّ المؤلّف راعى الأمانة العلميّة في نشر مقدّمة الدكتور خليفة كما هي دون تغيير أو تبديل.
وفي الختام أوصي من له اهتمام بالتاريخ السعوديّ أو من له اعتناء بالثقافة العامّة أن يقرأ هذا الكتاب الماتع المنهجيّ الجديد في موضوعه الذي يكشف عن جانب مهمّ من تاريخ الأسر في المملكة العربيّة السعوديّة التي كانت لها إسهاماتها في البناء الحضاريّ في الماضي المنصرم، والحاضر المزدهر في مملكتنا الحبيبة.
المصدر:
آل مسعود التميميّون جذور وسير وحوارات، محمّد بن خليفة الخزّي، جداول للنشر والترجمة والتوزيع، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 2025م.