صالح الشادي
المعركة التي تدور رحاها في عالم لا تراه العيون، لكن آثارها تصل إلى كل بيت وكل قلب وكل عقل. هي معركة وسائل التواصل الاجتماعي التي بدأت جسوراً للتواصل، فإذا بها تتحول إلى ساحات للصراع، يحمل فيها الكلمة من لا يتحمل مسؤوليتها، ويسيء إلى أوطان وهو يحسب أنه يدافع.
لقد أصبحت هذه المنصات ساحة معركة جديدة، حيث تشير الأرقام إلى أن 68 % من النزاعات بين الشعوب تجد جذورها في الخطاب العدائي عبر وسائل التواصل. ولم يعد الأمر مقصوراً على الأفراد، فقد دخلت منظمات ودول هذه المعمعة، تحمل أجندات خفية وتستخدم مئات الآلاف من الحسابات الوهمية لبث السموم وزرع الشقاق.
بلادنا الغالية - المملكة العربية السعودية - مستهدفة في عقيدتها، في سياستها، في مكانتها، حتى في نمائها وتطورها، فكم من حاسدٍ يحقد عليها دون سبب، وكم من عدوٍ يتربص بها دون ذنب، والتقارير قد كشفت عن وجود عشرات المنظمات التي تعمل ليل نهار لتشويه صورتنا وبث الفتن بيننا.
وفي خضم هذه الأجواء ، يأتي رد فعل بعضنا ليزيد الطين بلة؛ فكم من تغريدة انفعالية واحدة أساءت إلى دين ووطن أكثر مما أفادته، وكم من كلمة غير مسؤولة قدمت صورة مشوهة عن مجتمع بأكمله، بينما كان يمكن أن تقدم صورة مشرقة.
الأمل لا يزال موجوداً؛ فها هي إدارات منصات التواصل قد بدأت تتحمل مسؤوليتها، فحذفت الملايين من الحسابات الوهمية، وها هي الدراسات تؤكد أن الكلمة المتزنة الواعية هي الأكثر تأثيراً في حسم المعارك الرقمية.
وهنا تقع المسؤولية على عاتق كل مغرد سعودي. فكل كلمة نكتبها هي سفير لبلادنا، وكل حرف ننشره هو لبنة في بناء سمعة وطننا أو هدمها. إنها ليست معركة شخص واحد، بل هي معركة كل واحد منا.
فليكن مغردنا حكيماً في اختيار ألفاظه، قوياً في حجته، رفيقاً في أسلوبه. ليدفع بالتي هي أحسن، وليعلم أن كلمة الحق المتزنة تهزم ألف كلمة كاذبة. ليتذكر أن كل تغريدة يكتبها قد تصل إلى مائة ألف قارئ في ساعات، فإما أن تكون نعمة على الوطن، أو أن تكون مؤثرة عليه.
إن هذه المعركة ليست معركة شتائم وصياح، بل هي معركة وعي وحكمة وأخلاق. فالدفاع الشريف عن الوطن لا يكون بالصراخ والعصبية، بل يكون بالمنطق السليم، والحجة الدامغة، والأسلوب الراقي وهو ما حض عليه ديننا واقرته عاداتنا وتقاليدنا الأصيلة.
فليكن كل واحد منا سيفاً مسلولاً في وجه الباطل، لكن بسلة اللسان، وطيب الكلام، وقوة الحجة، ولنكن جميعاً سفراء لوطننا في العالم الافتراضي، كما نحن سفراء له في العالم الحقيقي.
فوالله إن كلمة طيبة لخير من ألف تغريدة جارحة، وإن صمتاً عن الباطل خير من مشاركة في الضجيج، وإن حجة قوية ترد كيد الكائدين أكثر من ألف صرخة غاضبة.
لنجعل من دفاعنا عن بلادنا دفاعاً يليق بمكانتها، دفاعاً يعكس رقي شعبها وأصالة دينها وسماحة قيمها، ولنكن جميعاً جنوداً أوفياء في هذه المعركة، نرتقي بأوطاننا بكلماتنا قبل سيوفنا، وبأخلاقنا قبل قوانا.