د. سطام بن عبدالله آل سعد
مفهوم (العقل قبل القدم) ليس توصيفًا، بل إستراتيجية، وهو ما جسّده الهلال بوضوح في مواجهته أمام الاتحاد. فالمباراة لم تكن صدامًا بدنيًا بقدر ما كانت اختبارًا للعقل الكروي، حيث أثبت الهلال أن الفريق الذي يفكر أفضل ينتصر حتى أمام خصم يملك عناصر أقوى أو أكثر خبرة.
دخل سيموني إنزاجي المواجهة بعقلية تحليلية دقيقة، إذ قرأ أسلوب الاتحاد وتوقَّع اندفاعه لتعويض غياب الجناحين، فاختار تمركزًا ذكيًا في مناطق محددة وترك مساحات محسوبة لاستدراج الخصم ثم ضربه بالتحولات. بهذه المقاربة حوّل الهلال الكلاسيكو من معركة بدنية إلى إدارة واعية للمساحات وتقدير دقيق للمخاطر.
الهلال دخل اللقاء بثبات خططي واضح، حيث كان روبين نيفيز المحور الفكري للفريق، يدير الإيقاع ويوجه البناء من العمق مع ضبط المسافات بين الخطوط الثلاثة. أما سافيتش وناصر الدوسري فشكّلا حلقة التوازن بين الدفاع والهجوم، فحافظ الفريق على استقراره، بينما فقد الاتحاد توازنه بانشغاله بالهجوم وإهماله للمساحات الخلفية.
الأهداف جاءت نتيجة منطقية لأسلوب اللعب نفسه، حيث كانت التفاصيل الصغيرة التي أتقنها الهلال في الركلات الثابتة امتدادًا لمنهجيته العامة في إدارة المباراة؛ من تموضع اللاعبين أمام الحارس، إلى توقيت التحرك وتوزيع الأدوار داخل المنطقة. هذه الدقة في التنفيذ عكست عقل الفريق لا قدميه، وحسمت الفوارق في اللحظات الحاسمة. في المقابل، غاب عن الاتحاد هذا البعد التحليلي، فتعامل مع المواقف نفسها بتكرار دون تصحيح، فظهر الفرق بين من يخطط ومن يكتفي برد الفعل.
العقل هنا يعني إدارة الإيقاع وتوظيف الموارد بذكاء. الهلال بعد الهدف الأول استمر على النسق ذاته ومنع المباراة من التحول إلى فوضى مفتوحة. هذه القدرة على ضبط الإيقاع تمثِّل أعلى درجات النضج الفني وتشبه ما يميز الفرق الأوروبية الكبرى التي تفوز بالتنظيم والانضباط قبل المهارة والاندفاع.
من جهة أخرى، بدا الاتحاد فريقًا يفتقر إلى إدارة متوازنة للمباراة، إذ انعكس ذلك في بعض التبديلات وتغيير المراكز أثناء اللعب، ما أضعف الترابط بين الخطوط وأفقدت الفريق توازنه، فيما كشفت قرارات كونسيساو، خصوصًا إبعاد الحارس الأساسي، عن توجه انفعالي أكثر منه عقلاني، جعل الفريق يتعامل مع مجريات المباراة بردات فعل لا بخطط مسبقة. هذه الفوارق بين الفكر والانفعال هي التي حسمت الفارق الفعلي بين الفريقين على أرض الملعب.
كرة القدم الحديثة تقوم على التحليل لا على الاندفاع، إذ تُبنى كل حركة على قراءة مسبقة للخصم وسيناريوهات اللعب المحتملة. هذا الوعي التكتيكي مكَّن الهلال من تحقيق تفوق ذهني قبل التفوق البدني أو الفني، بعدما أصبح التخطيط المسبق جزءًا من سلوكه داخل كل لحظة لعب.