د. محمد بن أحمد غروي
استعدت ماليزيا لإقامة قمة آسيان الـ47 هذا الأسبوع التي جعلت من «الشمول في الاستدامة» شعارًا لها وسط تشديد أمني لم تشهده ماليزيا منذ زمن بمشاركة قادة دول آسيان، وشركاء الحوار الرئيسيين؛ الولايات المتحدة والصين واليابان والهند، وعدد من زعماء الشرق والغرب.
القمة هي ختام رئاسة ماليزيا لرابطة جنوب شرق آسيا، بعد عام شهد تحركات دبلوماسية ماليزية دولية لترسيخ مكانتها إقليميًا وعالميًا، إذ تعد ماليزيا من المؤسسين لرابطة دول جنوب شرق آسيا وترأست ماليزيا الرابطة الإقليمية للمرة الخامسة منذ نشأتها عام 1967م.
أكد رئيس الوزراء الماليزي أنور أبراهيم على مبدأ مركزية آسيان والتوافق بين الدول الأعضاء كسبيل لإكمال نجاح الرابطة ونموها الاقتصادي، حيث ذكر رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم، إن رابطة دول جنوب شرق آسيا لا تواجه أية مشاكل في التوصل إلى توافق رغم تمتع الأعضاء بمصالح متباينة في بعض القضايا مشيدًا بأن المنطقة من أكثر المناطق أماناً في العالم وأسرعها نمواً من حيث الاقتصاد. في منتصف العام، استضافت ماليزيا قمة تاريخية هي الثانية بين دول مجلس التعاون الخليجي ورابطة آسيان والصين، الموصوفة بـ «التاريخية في التعاون الدولي»، حيث جمعت بين ثلاثة شركاء ديناميكيين يتقاسموا الطموحات والإنجازات البارزة. فيما قادت بوتراجايا مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين ماليزيا وآسيان ودول مجلس التعاون الخليجي، مما سيعمق العلاقات التجارية بين آسيان ودول الخليج مستقبلًا.
في اعتقادي أن ماليزيا قد نجحت في صياغة رؤية آسيان المستقبلية التي ستمتد على مدى عقدين من الزمن، وعكست تحولاً ملحوظاً في التوجه والطموح الاستراتيجي. فركزت على المرونة والاستقلالية الاستراتيجية وقدرة آسيان على العمل بتماسك في ظل نظام عالمي أكثر تنافسية ونظرة خارجية أكثر شمولية واستباقية.
اقتصاديًا، دعت رؤية 2045 إلى استخدام العملات المحلية في المعاملات العابرة للحدود للحد من تأثر المنطقة بالتقلبات الخارجية، وتعزيز تمويل مخاطر الكوارث، وتخفيف المخاطر أو الآثار الناجمة عن تغير المناخ والتدهور البيئي. وخلال العام الحالي، صدرت قرارات وبيانات رئيسية، فاختتام مفاوضات تحسين منطقة التجارة الحرة بين آسيان والصين واتفاقية تجارة السلع بين آسيان، إشارةً مشجعةً لتعزيز أنشطة التجارة والاستثمار تصدرت الأجندة الاقتصادية للتجمع، ونجاح اقتصادي وتجاري للرئاسة الماليزية.
شهد العالم دورًا محوريًا لملفات دولية شائكة، فالأزمة الحدودية بين كمبوديا وتايلاند التي اندلعت في يوليو الماضي أسفرت عن اشتباكات وضحايا وتسببت في صراع بين الدولتين الجارتين والأعضاء في رابطة آسيان.
واستضافت ماليزيا المفاوضات ونتج عنها اتفاق فوري وغير مشروط لوقف إطلاق النار ما جنب المنطقة إمكانية تصاعد الصراع الذي ينتج عنه اضطراب سياسي واقتصادي. كما قادت ماليزيا جهود تشكيل فريق مراقبين مؤقت، يضم مستشارين دفاعيين من الدول الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، لمراقبة الالتزام بوقف إطلاق النار بين تايلاند وكمبوديا. وعملت ماليزيا أيضًا بشكل متكامل مع آسيان لدعم القضية الفلسطينية رغم تباين المصالح واختلاف وجهات النظر للدول الأعضاء حول القضية.
اتخذت ماليزيا عددا من الخطوات في معضلة ميانمار التي مر عليها سنوات بهدف حل أزمة الحرب والعزلة الإقليمية والدولية التي تعيشها منذ الانقلاب العسكري، ولم تقتصر جهود ماليزيا على البعثات الإنسانية إلى ميانمار عقب الزلزال الأخير، بل ولأول مرة منذ سنوات، وجه المجلس العسكري دعوةً رسميةً للرابطة للمشاركة في عمليتها الانتخابية، كما ضمنت ماليزيا مشاركة دولية أوسع في معاهدة الصداقة والتعاون لآسيان، بعد انضمام الجزائر وأوروغواي للمعاهدة ليصل عدد الموقعين إلى 57 دولة. ستوقع كمبوديا وتايلاند، خلال القمة وثيقة الشروط المرجعية لإنشاء فريق مراقبي رابطة دول جنوب شرق آسيا (AOT، لتعزيز دور فريق مراقبي آسيان على طول حدود البلدين وسيحل موعد إعلان انضمام تيمور الشرقية كعضو حادي عشر في آسيان، بعد مرور 14 عامًا من تقدمها رسميًا بطلب الانضمام للرابطة الإقليمية.
قمم قادة آسيان التي عقدت هذا العام وأعقبها قمة شركاء الحوار هي تتويج للدبلوماسية والسياسات الماليزية أكدت فيه على دور الرابطة عالميًا، وتماسك الدول الأعضاء رغم تباين المصالح في بعض الأحيان، كما رسخت دور ماليزيا في السياسات الإقليمية ودعم الاقتصاد في منطقة جنوب شرق آسيا.