سلطان بن عبدالعزيز آل صقر
تواصل المملكة العربية السعودية ترسيخ حضورها الدولي كقوة سياسية واقتصادية وإعلامية مؤثرة في المنظمات العالمية، مستندة إلى رؤيةٍ استراتيجية طموحة جعلت من العمل المتعدد الأطراف ركيزة أساسية في سياستها الخارجية، ومن الدبلوماسية الإعلامية أداةً لإبراز صورتها الحديثة أمام المجتمع الدولي.
ومنذ تأسيسها، أدركت المملكة أهمية المشاركة في المنظمات الدولية باعتبارها جسراً للتواصل مع العالم، ومنصة لتوحيد المواقف تجاه القضايا الإنسانية والسياسية. وكانت من الدول المؤسسة للأمم المتحدة عام 1945، كما أسهمت بفعالية في تأسيس عددٍ من الكيانات الإقليمية و الدولية، أبرزها منظمة التعاون الإسلامي التي تتخذ من جدة مقراً لها، ورابطة العالم الإسلامي، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، والتحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، إضافة إلى عضويتها الفاعلة في منظمة التجارة العالمية ومنظمة الدول المصدّرة للبترول (أوبك). هذا الحضور المؤسسي يمثل ممارسة فعلية لدورٍ محوري في صياغة القرارات والسياسات التي تمسّ الأمن والاستقرار والتنمية في المنطقة والعالم. فقد تبنّت المملكة على مدى العقود الماضية مواقف متوازنة في المحافل الدولية، تؤكد على الحوار، والتعاون، واحترام السيادة، ودعم جهود السلام.
وفي السنوات الأخيرة، تبنّت السعودية نهجاً سياسياً أكثر انفتاحاً ومرونة، تجلّى في سعيها لتعزيز الشراكات مع القوى الإقليمية والدولية، وتوسيع نطاق تعاونها مع الدول الصاعدة في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية. هذا التوجّه يأتي في إطار رؤية السعودية 2030 التي وضعت السياسة الخارجية في خدمة التنمية الوطنية، وربطت الاقتصاد بالدبلوماسية كأداة لتعزيز النفوذ الدولي.
كما تلعب المملكة دوراً محورياً في التوسط بين الدول الإسلامية، ودعم قضايا العالم العربي والإسلامي، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. وفي الوقت نفسه، تواصل دعمها للجهود الأممية في محاربة الإرهاب والتطرف من خلال التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب ومبادراته الفكرية والإعلامية والمالية والعسكرية، التي أصبحت نموذجاً للتعاون الدولي في هذا المجال.
وإلى جانب الحضور السياسي، أدركت المملكة أن القوة الإعلامية باتت ركناً أساسياً في الدبلوماسية الحديثة. لذلك عملت على تطوير أدواتها الاتصالية عبر إنشاء مركز الاتصال الحكومي، وتعزيز التنسيق الإعلامي بين الجهات الرسمية والمنظمات الدولية، لتقديم رواية سعودية موثوقة للعالم، تعبّر عن التطور الذي تشهده البلاد في مختلف المجالات.
الإعلام السعودي اليوم لا يقتصر على الدفاع عن المواقف السياسية فحسب، بل يركّز على إبراز التحول المجتمعي والاقتصادي والثقافي الذي تشهده المملكة، وتوضيح دورها في دعم التنمية العالمية، وتمكين الشباب والمرأة، ومواجهة خطاب الكراهية والتطرف. كما باتت المملكة شريكاً أساسياً في المبادرات الإعلامية الدولية التي تدعو إلى احترام التنوع الثقافي وتعزيز قيم التسامح والسلام. وما بين دبلوماسية الحوار والعمل الإنساني والاتصال الدولي، تبني السعودية اليوم صورة جديدة لنفسها كقوة سلام وتنمية. فهي تجمع بين القدرة السياسية التي تفرض احترامها في الساحات الدولية، والقوة الإعلامية التي توصل صوتها ورسالتها بوضوح إلى العالم. هذا التوازن بين البعدين السياسي والإعلامي جعل من المملكة نموذجاً ملهماً للدول التي تسعى إلى الجمع بين التأثير الدبلوماسي والذكاء الاتصالي في آنٍ واحد.
وفي ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم، تواصل المملكة العربية السعودية أداء دورها بثقة واعتدال في المنظمات الدولية، مستندة إلى رؤية قيادتها التي تؤمن بأن النفوذ الحقيقي لا يُبنى بالقوة وحدها، بل بالحوار، وبالقدرة على إيصال الرسالة الصحيحة إلى العالم. وهكذا، تظل السعودية اليوم أحد أهم الأصوات العربية والإسلامية المؤثرة في النظام الدولي، تجمع بين ثقلها السياسي وريادتها الإعلامية في مسيرة توازن بين الأصالة والتجديد.