عبد الله العلي
في ظل كل الحروب والصراعات الدائرة اليوم في عالمنا العربي لا تقل الحرب على الهوية الوطنية خطورةً عن الحروب الأخرى، بل هي أشد وطأةً.
مواجهة عدو مباشر أو مجموعة إرهابية أمر تقوم به الدولة ويتخلص المجتمع منه، لكن إذا كان المستهدف هو المجتمع نفسه بأفكارٍ تُوصف -على أقل تقدير- بالخبيثة، فالأمر أخطر. إبعاد الفرد عن محيطه الاجتماعي ثم الديني ثم الوطني يعني غياب الوعي؛ وعادةً ما يلجأ الأعداء إلى هذه الأساليب إذا فشلوا في المواجهة المباشرة.
فكرةُ السردية عميقة جدًا وفي نفس الوقت واقعية، حيث يسهل تمريرها وتصديقها لأنها تنبع من نفس النسيج الاجتماعي وتستند إلى أفكارٍ منسوخة يستهدف بها جميع شرائح المجتمع، ولا سيما المراهقون الذين تُربّى أذهانُهم على مدى طويل؛ فهذه الأفكار تتردد على مسامعهم وتُعرض أمام أعينهم حتى تبدو شيئًا واقعياً وعادياً، فلا يشعر البعض بخطورة ما يتبنّاه من فكر.
إن هذا أسلوب نفسي عميق يُقدَّم بغطاء عصري جذاب. على سبيل المثال -لا الحصر- ظاهرة الزواج وما يرافقها من أفكار (تقليدي، عن حب، شهر عسل، عرس قاعة) كنقطة انطلاق واقعية، ثم تطور الخلافات والتدخلات بين الزوجين مثل عدم تحمل المسؤولية، انعدام الثقة، الطبقية، عدم المساواة.. إلى أن تصل إلى الطلاق وتفكك الأسرة، وهي البنية الأساسية للمجتمع.
هنا، كرد فعل، يعزف بعض الناس عن الزواج - وهذه مشكلة ثانية. ثم يضيع الأبناء بين الزوجين بسبب قضايا الحضانة، فينمو الأبناء وسط خلافات وعدم استقرار، فتكون تربةً خصبةً لزرع بذور الشر فيهم (بعضهم وليس الكل).
القاعدة الثانية: ضرب نسيج المجتمع. من الطبيعي أن يوجد في كل مجتمع اختلاف - عرقيًا، دينيًا، ثقافيًا، وحتى في العادات والتقاليد - لكن يُستخدم هذا الاختلاف في سياق يصنع منه مشاكل كبيرة. مثال ذلك الخلط بين (بدوي - حضري): وهو تقسيم طبيعي يعود إلى أيامٍ سابقة، لكن ربط البداوة بالتخلف بشكل منهجي، وربط الحضرية بالتطور، أدى إلى انقسام واسع وتنافر؛ فتحدث حالة من الفوضى والفتنة، لا يتزوج البدوي مع الحضرية، ولا يعمل الحضري مع البدو، وتترتب عن ذلك مشاكل ثقافية واقتصادية ..إلخ.
ثم تأتي الإساءة إلى النخبة - من علماء ومثقفين إلى سياسيين وكفاءات وطنية - والتشكيك في نزاهتهم؛ فتُهدم هيبة الدول، ولا يُحترم القانون والقرارات الحكومية، وتنتشر حالة من التخوين والفوضى والنزاعات، وصولًا إلى سقوط مؤسسات الدول. وهذا هو الهدف الأساسي.
لا أحد يهاجمك بشكل صريح دائمًا؛ فالهجمات غالبًا ما تأتي من نقاط الضعف إن وُجدت، أو عن طريق خلق نقاط ضعفٍ مزيفة.
الفرد ورفعُ وعيه بالهوية الوطنية واجبٌ وطنيّ، وليس مجرد شعار. أمثلة من الجوار:
العراق: انقسام طائفي عميق نشأت عليه أجيال.
لبنان: انقسام وطني وعدم استقرار سياسي.
سوريا: انقسام عرقي وتفكك للدولة.
النتيجة: محاصصةٌ وطنية؛ أي توزيع المناصب على أساسٍ عرقيّ أو مذهبيّ يؤدي إلى العمل من أجل مصالحٍ ضيقة (محسوبية، رشوة، فساد) وغياب الدولة وسيادة القانون.
هدم الأمم يبدأ بأدلجة المجتمع، ثم تشويه أخلاقه وقيمه الإنسانية والدينية، ثم هدم وطنه. إذا هُدمت ثقةُ الفرد بنفسه، يسهل هدمُه دينيًا واجتماعيًا وثقافيًا ووطنياً.
(كُن واعيًا)