د. أحمد محمد القزعل
في الثامن من ديسمبر عام 2024م، يعود الضوء إلى ذاكرة السوريين ليذكّرهم بأن التاريخ يمكن أن ينهض من بين الركام، وأن الشعوب مهما أثقلتها العتمة تستطيع أن تكتب فجراً جديداً، تمرّ الذكرى الأولى لانتصار الثورة السورية وقد باتت دمشق مدينة تستعيد روحها ويستعيد أهلها حقّهم في التنفّس بلا خوف والسير بلا ظلّ ثقيل يلاحقهم، هذا المقال هو تحيّة لذلك اليوم، ولتلك الإرادة التي لم تُكسر، ولتاريخ أعيد كتابته بدمع ودم وصبر لا يشبه صبر أحد.
لطالما اعتقد النظام أنّ دمشق حصنه الأخير، وأن أسوارها ستبقى شاهدة على بقائه مهما طال الزمن، لكنه لم يفهم أنّ الشعوب حين تثور فإنها تغيّر قوانين التاريخ ذاتها، ففي الثامن من ديسمبر 2024م، وبعد رحلة طويلة من الدماء والخيبات والانتصارات الصغيرة التي كانت تكبر كجمرة تحت الرماد، دخل الثوار دمشق ولم يكن دخولهم مجرّد انتصار عسكري بل كان تحريراً للذاكرة واستعادة لصوت حاول النظام خنقه لزمن طويل، وقد هرب بشار الأسد في تلك الليلة من شعب كان يظنه بلا قوة، من أمة حاول بكل أدوات القمع أن يجعلها تركع، لكن دمشق أثبتت أن المدينة التي تنهض من سبعة آلاف عام لا يمكن إخضاعها إلى الأبد.
منذ مارس 2011م، حين خرج السوريون في مظاهرات تطالب بالحرية والكرامة، كان واضحاً أن البلاد تسير نحو منعطف لا رجعة فيه، لكن تحوّل القمع إلى حرب مفتوحة وتحولت المدن إلى ساحات امتحان لإرادة شعب رفض الاستسلام، البراميل، السجون، الكيميائي، الحصار...، كلها فصول من جحيم عاشه السوريون، لكنها لم تُطفئ جذوة الثورة، بل على العكس صارت هذه الآلام أساساً أخلاقياً للنصر الذي جاء لاحقاً وذاكرة لا يمكن محوها مهما تغيّرت الأيام.
حقيقة إن النصر لا يعني نهاية الطريق إنه بدايته الحقيقية، فبعد فتح دمشق وقف السوريون على أعتاب مرحلة معقدة: كيف يُعاد بناء وطن تهشّم على مدى سنوات؟ كيف تُردّ الحقوق؟ كيف تلتئم الجراح؟
لكن في قلب كل هذه الأسئلة كان هناك صوت واحد واضح: لن نعود إلى ما كنّا عليه.
لقد دفع السوريون ثمناً باهظاً، لكنهم صنعوا مقابل هذا الثمن وطناً جديداً، وطناً يحاول أن يتعلم من الجراح لا أن يدفنها، وسيظل الثامن من ديسمبر شاهداً على أن الشعوب مهما تأخرت ثوراتها تنتصر حين تُصرّ على الحياة.