د. علي السويد
يظلّ الخوف أحد أعمق الانفعالات التي تحكم الوجود الإنساني، لا لأنّه استجابةٌ لتهديدٍ راهن، بل لأنّه قدرةٌ داخلية على تخيّل الأسوأ، وكأن النفس تملك مهارةً خفية في هندسة الكوابيس وصياغة الظلال قبل حدوثها.
ولعلّ الدنماركي كيركغارد قد بلغ جوهر الحقيقة حين قال: «القلق هو دوار الحرية»، فالإنسان حين يمتلك الخيار، يمتلك معه القلق مما قد يكون، والرهبة مما قد يتحقق!
لكن ماذا يحدث عندما تعبُر المخاوف من حيّز التصوّر إلى حيّز الواقع؟ عندما يستيقظ الإنسان فيجد أنّ الكابوس لم يعد حلماً مُرعباً عابراً، بل أصبح صورة يومه ولون حياته؟
هنا يبدأ السؤال الفلسفي: هل كان الخوف نبوءةً، أم أنه شارك في صناعة ما خشيه الإنسان؟
يرى فرويد أنّ الكابوس ليس حدثاً فوقياً، بل كشفٌ لعقد مضمرة وقوى دفينة، وأنّ ما يراه الإنسان في نومه هو انعكاسٌ لما يرقد في قاع الذات.
أما هايدغر، فيعتقد أنّ الإنسان «كائن نحو الموت»، وهذا يعني أنّ الوعي البشري قائم جزئياً على انتظار الأسوأ، أو على الأقل الاستعداد له. ولذلك فإنّ تحقق الكابوس ليس حدثاً مفاجئاً، بل محطة من محطات «الكينونة» وهي تفهم نفسها في عالم لا يخلو من الخطر!
إنّ تحقق الكابوس في الواقع لا يعني بالضرورة أنّ العالم صار أشدّ قسوة، بل إنك عشت الألم مرتين، وهنا تظهر حكمة -الرواقيين-، وعلى رأسهم - أوريليوس-، الذي كتب: «لو حدث لك ما كنت تخشاه، فاعلم أنّك قد تجرّعت الألم مرّتين: مرةً حين تخيّلته، ومرةً حين وقع».
لا يمكن للإنسان أن يعيش دون خوف، فلو اختفى الخوف لاختفى معه الحذر والتجربة والنضج، لكن الخوف حين يتحقق يصبح معلّماً قاسياً، ويضع الإنسان أمام نفسه بلا تورية!
يصف ألبير كامو هذا الشعور ويقول: «في عمق الشتاء، اكتشفتُ أن في داخلي صيفاً لا يُقهر.» فحين يتحقق الكابوس، يكون ذلك الامتحان الذي يكشف لنا الصيف الداخلي الذي لم نكن نعلم بوجوده!
إنّ تحقق المخاوف ليس مجرد حادثة وجودية، بل لحظة يلتقي فيها الحلم بالواقع، والنفس بالعالم، فالكابوس حين يصبح واقعاً يضع الإنسان أمام أعمق أسئلة، تلك التي تنتهي دائمًا بلا جواب!