سارة الشهري
هناك لحظات في الحياة الجامعية لا تشبه غيرها، لحظات لا تُقاس بعدد الحضور ولا بعدد المقررات، بل بوهجها الداخلي. هذا ما حدث تماماً في كلية الاتصال والإعلام بجامعة الملك عبدالعزيز عندما انطلقت الدورة الجديدة من مهرجان الأفلام الطلابية 2025 .
لم يكن المهرجان مجرد فعالية جامعية، بل كان حدثاً وطنياً شبابياً بكل ما تعنيه الكلمة. أكثر من 140 فيلماً من 17 جامعة سعودية، أرقام لا تقرأ كبنود إحصائية، بل كدليل على أن هناك جيلاً كاملاً يؤمن بأن الصورة لغة، وبالحكاية طريقاً، وبالسينما وطناً موازياً.
هذه الأفلام تتنوَّع بين الروائي القصير، والوثائقي، والرسوم المتحركة، وفئة حديثة صاعدة بقوة وهي أفلام الذكاء الاصطناعي.
واللافت أن التنوع لم يكن فقط في الشكل، بل في الروح، فكل فيلم بدا وكأنه قطعة من صاحبه، جزء من ذاكرته، من مدينته، من بيئته، من أسئلته التي لم يجد لها إجابة إلا بالعدسة.
حتى قبل بدء العروض، كان المشهد كله يوحي بأننا أمام جيل لا يكتفي بأن يحلم، بل يحوّل الحلم إلى مشروع، وإلى كتابة، ثم إلى صوت وصورة. ومع بداية العروض، تحوّلت القاعة إلى نبض واحد. كل ضوء ينطفئ كان يرفع مستوى الترقب، وكل بداية فيلم كانت تفتح باباً صغيراً على حياة جديدة. بعض الأفلام جعلت الجمهور يضحك وبعضها جعلهم يتأملون في صمت طويل، وبعضها الآخر حمل قضايا إنسانية واجتماعية وشخصية، بكل ما فيها من صدق وجرأة وبساطة.
وفي خضم كل هذه الأعمال، برزت قوة لافتة في فئة أفلام الذكاء الاصطناعي، التي أثبت فيها الطالب إبراهيم بقاشي من جامعة جازان حضوره بفيلمه (هذه جازان)، محققاً جائزة هذه الفئة، ومقدماً نموذجاً على أن الإبداع لا يهاب التقنية، بل يتكامل معها. كان هذا الفيلم على وجه الخصوص دليلاً على أن السينما ليست فقط فناً بصرياً، بل وسيلة لإعادة تشكيل الهوية والانتماء من خلال أدوات العصر.
إلى جانب العروض، كانت هناك ورش وجلسات نقدية وحوارات مفتوحة، لم تكن مجرد تكميل للمهرجان، بل كانت مساحة يلتقي فيها الطالب مع الخبرة، مع الصوت الذي يعلمه أن الخطأ ليس سقوطاً، بل خطوة أولى، وأن العمل العظيم ليس ما ينتج بسهولة، بل ما يولد من المحاولة المستمرة.
أما المعرض التفاعلي (من الخيال إلى الشاشة) فقدَّم صورة بديعة لمسار صناعة الفيلم، ليؤكد أن ما يراه الجمهور على الشاشة هو نتاج تعب طويل، يبدأ بفكرة صغيرة، ويمر بالمكان والممثلين والإضاءة والصوت، وينتهي بلقطة تستقر أخيراً في قلب المشاهد.
بالنسبة لي أرى أن الفوز الحقيقي حصل لكل فيلم ولجميع المشاركين بمجرد ترشيحه للعرض ضمن المهرجان، وعندما قرر كل طالب ألا يترك فكرته في رأسه، بل يحولها إلى فيلم. وعندما أدركوا أن السينما ليست ملكاً لكبار المخرجين فقط، بل باب مفتوح لكل من يحمل شغفاً صادقاً ورؤية تريد أن تولد.
مهرجان الأفلام الطلابية 2025 لم يكن احتفالاً بالأفلام بقدر ما كان احتفالاً بالجيل الذي سيكتب مستقبل السينما السعودية. جيل لا يخاف التجربة، ولا يخشى الاتهام بالمثالية، ولا يهاب البداية. جيل يرى في الصورة وعداً، وفي الحكاية خلاصاً، وفي الكاميرا وسيلة لقول ما لا يقال.
ختاماً.. لا تُقاس الجامعات بما تمنحه من شهادات فقط، بل بما تمنحه من فرص، من مساحات للحلم، من أجنحة خفية تساعد الطلاب على الطيران.
ومهرجان الأفلام الطلابية من كلية الاتصال والإعلام بجامعة المؤسس كان جناحاً واسعاً فتح الباب، وأطلق الضوء، وقال للطلاب: اصنعوا أفلامكم فقد حان الوقت أن تُرى أفكاركم.