رسيني الرسيني
مشروع القطار السريع بين الرياض والدوحة لا يختصر المسافات الجغرافية فحسب، بل يعزز التكامل بين اقتصادين محوريين في المنطقة، ويفتح مسارات جديدة للتبادل والاستثمار والحركة البشرية. إذ يمثل المشروع علامة فارقة في مسيرة التعاون الخليجي، وتجسيدًا لرؤية تنموية تتجاوز البنية التحتية إلى آفاق أوسع من التكامل الاقتصادي والاجتماعي، حيث يأتي هذا المشروع تتويجًا لعلاقات راسخة وممتدة، ليؤكد أن التنمية الحديثة تقوم على الشراكة والتكامل. ويجسد القطار السريع بين البلدين توجهًا إستراتيجيًا يعكس عمق الروابط الأخوية والتاريخية، ويعزز مسار التنمية المستدامة والازدهار المشترك في المنطقة.
مشروع القطار الكهربائي السريع الذي يربط العاصمتين تتجاوز سرعته 300 كيلومتر في الساعة، ضمن شبكة تمتد لنحو 785 كيلومترًا. ويُتوقع أن تخدم هذه الشبكة أكثر من 10 ملايين مسافر سنويًا، على أن تكتمل مراحل تنفيذها خلال ست سنوات تقريبًا، وسيسهم المشروع في تقليص زمن الرحلة بين البلدين إلى قرابة ساعتين فقط، رابطًا بين مطار الملك سلمان الدولي في الرياض ومطار حمد الدولي في الدوحة. كما تمتد الشبكة لتشمل مدنا سعودية رئيسية هي الرياض والهفوف والدمام، ما يعني الاستفادة منه أيضًا في شبكة النقل الداخلي بين منطقة الرياض والمنطقة الشرقية.
من منظور اقتصادي، يُعد مشروع القطار الكهربائي السريع بين السعودية وقطر من أبرز المشروعات الإستراتيجية في المنطقة، إذ يُتوقع أن يضيف ما يقارب 115 مليار ريال سعودي إلى الناتج المحلي الإجمالي للبلدين. كما سيدعم المشروع التكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي عبر شبكة سكك حديد حديثة ومتطورة. وسيسهم المشروع في خلق أكثر من 30 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة خلال مرحلتي الإنشاء والتشغيل، فضلًا عن دوره في تحسين جودة الحياة وتطوير قطاع النقل من خلال رفع تنافسية المنطقة في استقطاب الفعاليات والأحداث العالمية.
على مستوى الاستثمار السياحي، يُتوقع أن يُحدث القطار السريع تحولًا جوهريًا في حركة السياحة بين السعودية وقطر، من خلال تسهيل تنقل الزوار وتشجيع الرحلات القصيرة والمتكررة، ما ينعكس إيجابًا على قطاعات الضيافة والفنادق والترفيه وتنظيم الفعاليات. كما يتوقع أن يسهم المشروع في تعزيز التكامل السياحي عبر ربط الوجهات الثقافية والرياضية والترفيهية في البلدين ضمن مسار واحد. وفي جانب سلاسل الإمداد، يوفر القطار السريع بدائل نقل أكثر كفاءة واستدامة مقارنة بالشحن الجوي والبري، مما يخفض التكاليف اللوجستية، ويرفع سرعة تدفق البضائع، ويعزز تنافسية التجارة الثنائية ودعم الأنشطة الصناعية والتجارية المشتركة.
حسنًا، ثم ماذا؟
يمثل هذا المشروع أول قطار يربط المملكة بدول الجوار، فاتحًا آفاقًا جديدة لمرحلة متقدمة من التكامل الإقليمي. ومن المتوقع أن يمهد الطريق لإطلاق مشاريع مستقبلية لربط دول الخليج عبر شبكة سكك حديدية موحدة، ودعم الممرات الاقتصادية الإقليمية وتعزيز مكانة المنطقة كمحور لوجستي عالمي.