د.علي آل مداوي
أصبحت بلادي منصة دولية فاعلة ومحورية، يتجلى ذلك في دورها المتنامي في صنع القرار العالمي، استضافة الفعاليات الدولية الكبرى، إضافة الى اقتصاد قوي ومتنامٍ، وهو من أكبر اقتصادات الشرق الأوسط والعالم (ضمن مجموعة العشرين) بفضل تنويع مصادر الدخل، نمو القطاعات غير النفطية (السياحة، الترفيه، الصناعة)، الاستثمارات الضخمة، والبنية التحتية المتطورة، ونمو مستدام مدفوع بـرؤية 2030، مما يعكس ثقلها السياسي والاقتصادي وتأثيرها المتزايد على الساحتين الإقليمية والدولية كشريك أساسي في معالجة القضايا الدولية.
منذ تأسيس المملكة العربية السعودية على يد الملك عبد العزيز -رحمه الله-، اختارت أن تجعل من السلام مرتكزًا رئيسيًا في كافة مسار سياستها الداخلية وكذلك الخارجية.
فان دور دبلوماسية بلادي مستمر طوال العام بشكل دؤوب، إلا أنه برز بشكل أوضح خلال الأسابيع الماضية، وباتت بلادي منصة لعدد كبير من قادة الدول، وكبار المسؤولين، الذين حرصوا على زيارتها بشأن مستجدات الساحة السياسة، من أجل التنسيق والتشاور، وتوقيع اتفاقيات مشتركة، وتلعب بلادي دوراً حيوياً في صناعة القرار السياسي إقليمياً ودولياً، من خلال علاقات دبلوماسية قوية بالعديد من قادة دول العالم والمنظمات الدولية، ودورها رائد في تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.
جهوداً حثيثة، وحراك دبلوماسي نشط لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظة الله- بداية في زيارة رسمية الى الولايات المتحدة الامريكية، مروراً بحضور سمو سيدي للدورة السادسة والأربعين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية (قمة البحرين)، وختاماً استقبال عدد من زعماء ومسئولين دول شقيقة وصديقة.
أمير قطر وصل الرياض
وصل صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر الى الرياض وكان في استقباله سموسيدي ولي العهد وتأتي الزيارة تعبيراً عن متانة الروابط التاريخية والتعاون الثنائي بين البلدين الشقيقين ، وتشهد العلاقات السعودية - القطرية تطوراً ملحوظاً في كافة المجالات، ويرتكز على استدامة التنسيق والتعاون والتشاور المستمر بين قيادتي البلدين، حول مستجدات القضايا والموضوعات الإقليمية والدولية، وهو ما جعل من تلك العلاقات نموذجاً فريداً ومثالياً للعلاقات الدولية القوية، كما تُبرز حرص القيادتين على دفع هذه العلاقات الأخوية إلى آفاق أوسع، بما يحقق المصالح المشتركة لشعبي البلدين الشقيقين.
مجلس التنسيق السعودي القطري
يعود تاريخ إنشاء مجلس التنسيق المشترك بين البلدين إلى الخامس من شهر يوليو 2008م، وذلك في إطار تطوير العلاقات الثنائية في المجالات السياسية والأمنية والمالية والاقتصادية والتجارية والاستثمارية والثقافية والإعلامية.
ويسهم المجلس في تعزيز العلاقات السعودية - القطرية، وتطويرها، نظرًا لما تشتمل عليه من مبادرات تعاون نوعية في مختلف المجالات، وآليات حوكمة فعالة لمتابعة تنفيذها.
وشهد حجم التبادل التجاري بين الرياض والدوحة في» العام 2024 نمواً ملحوظاً، إذ تجاوز 5.5 مليار ريال، ويسعى البلدان الشقيقان إلى تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بينهما، وتسهيل إجراءات الاستثمار المتبادل، والعمل على إنمائها وتطويرها والوصول بها إلى آفاق أرحب».
قطار الرياض - الدوحة
السعودية وقطر وقعتا اتفاقية رسمية لإطلاق مشروع القطار الكهربائي السريع الذي تتجاوز سرعته 300 كيلومتر، ويبلغ طول شبكة القطار السريع حوالي 785 كيلومتر، بقدرة استيعابية تفوق 10 ملايين راكب سنوياً، في حين يتوقع اكتمال مراحله خلال الأعوام الستة المقبلة، وسيختصر رحلة السفر بين العاصمتين إلى حوالي ساعتين. سيزيد حجم الاستثمار المشترك ، وسيخلق أكثر من 30 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة خلال مراحل الإنشاء والتشغيل. كما سيعزز جودة الحياة، ويطور قطاع النقل، ويدعم السياحة حسب ما أعلنت عنه وزارة النقل والخدمات اللوجيستية السعودية.
العلاقات السعودية الإرتيرية
العلاقات السعودية الإريترية علاقات تاريخية ومتينة، تقوم على التعاون الأمني والاقتصادي زيارة فخامة الرئيس إسياس أفورقي، رئيس دولة إريتريا الي المملكة تأتي لتؤكد على متانة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وأسمرة، وحرص القيادتين على استمرار التشاور الدبلوماسي المستمر لتوحيد الرؤى تجاه التحديات التي تواجه الاقليم، والعمل المشترك من أجل تحقيق التنمية والازدهار.
أمن البحر الأحمر
جرى خلال لقاء سموه مع فخامة الرئيس الإريتري إسياس أفورقي استعراض شامل للعلاقات الثنائية المتينة بين البلدين، وبحث آفاق التعاون المشترك في مختلف المجالات وسبل تطويره بما يخدم مصالح الشعبين. كما تم تبادل وجهات النظر حول عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك.
ويكتسب هذا اللقاء أهمية خاصة بالنظر إلى الموقع الاستراتيجي التي تملكه بلادي ودولة اريتريا على ساحل البحر الأحمر، وهو ممر مائي حيوي للتجارة العالمية.
وتعتبر بلادي شريكاً استراتيجياً لإريتريا، وتأتي الزيارة في سياق الجهود التي تقودها بلادي لضمان أمن واستقرار منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي، والتي توجت بتأسيس «مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن» الذي تتخذ الرياض مقراً له. ويأتي التعاون بين البلدين في إطار مكافحة التهديدات الأمنية مثل القرصنة والتهريب، وتأمين حرية الملاحة، مما يعود بالنفع على الرياض وأسمرة وكذلك على الاقتصاد العالمي بأسره.
المملكة حاضنة السلام في إفريقيا
دور بلادي لتوقيع اتفاقية السلام التاريخية بين إريتريا وإثيوبيا في عام 2018 برعاية مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز- حفظه الله -، وهي الاتفاقية التي أنهت عقوداً من الأزمة والنزاع والقطيعة بين اسمرة واديس بابا، وساهمت في فتح صفحة جديدة من التعاون الإقليمي. هذا الإرث الدبلوماسي يجعل من زيارات القيادة الإريترية للمملكة ، لما لها من دلالات على استمرار دور بلادي الفاعل في دعم السلم والأمن الدوليين.
الأمين العام للأمم المتحدة بالرياض
استقبل سموه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش. وبحث سموه مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش، مستجدات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية. وتركزت المباحثات كذلك على سبل دعم الجهود الدولية الرامية إلى تعزيز الأمن والاستقرار العالمي، ومناقشة القضايا الملحة التي تواجه المجتمع الدولي.
ويأتي هذا الاجتماع ليؤكد على الشراكة العميقة بين بلادي ومنظمة الأمم المتحدة. فبلادي تعد من أكبر الدول المانحة للمساعدات الإنسانية عبر وكالات الأمم المتحدة المختلفة، وتلعب دوراً فاعلاً في دعم جهود المنظمة لحل النزاعات، ومكافحة الفقر، والتصدي لظاهرة التغير المناخي. كما تتوافق أهداف رؤيتها 2030 مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة (SDGs)، مما يجعل قاسم مشترك للتعاون في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
ويبرز اللقاء حرص بلادي على التنسيق مع المنظمة الدولية لإيجاد حلول سلمية للأزمات في المنطقة والعالم، ودعم مبادئ الحوار والتعايش بين الحضارات وذلك انطلاقاً من دورها الريادي على الصعيدين الإقليمي والدولي.
جهود تحقيق الأمن والاستقرار بالسودان
وصل إلى الرياض، فخامة الرئيس عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي بجمهورية السودان، والوفد المرافق، في ظل استمرار الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى إنهاء الصراع في السودان، ودفع مسار التسوية السياسية.
واستقبل سموه فخامة الرئيس البرهان واستعرضا خلال اللقاء، «مستجدات الأحداث الراهنة في السودان، وتداعياتها، والجهود المبذولة بشأنها لتحقيق الأمن والاستقرار».
المملكة تقود زمام الوساطة لوقف حرب السودان
دفعت الرياض بالملف السوداني إلى مستوى رئاسي عبر اللقاء الذي جمع سموه مؤخراً بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض. دفعت إدارة ترامب إلى التحرك الفوري لإعادة ضبط مسار الصراع الداخلي في السودان .
وتقود بلادي زمام المبادرة بين طرفي الصراع في السودان من أجل تجنيب السودان مخاطر الانقسام، وإنهاء الحرب عبر 5 دوافع تتبلور كتالي:
فتح الطريق أمام حل سياسي.
التوصل إلى حل وطني شامل.
وقف الدعم الخارجي لطرفي الصراع.
حماية الأمن الإقليمي.
ضمان أمن البحر الأحمر.
قدم مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية مساعدات شاملة للسودان، تشمل توزيع السلال الغذائية، والمساعدات الإيوائية، والمشاريع الطبية التطوعية كالجراحة ومكافحة العمى، والمشاريع في قطاع المياه والصرف الصحي، وذلك لتخفيف الأزمة الإنسانية وتلبية الاحتياجات الملحة في مختلف الولايات السودانية بالتعاون مع شركاء محليين ودوليين مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
ولي العهد استقبل وزير الخارجية الصيني
استقبل سموه وزير الخارجية الصيني وانغ يي، وجرى خلال الاستقبال استعراض أوجه العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين وسبل تطويرها بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين، بالإضافة إلى بحث تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
العلاقات السعودية الصينية هي شراكة استراتيجية شاملة ومتنامية، تعود جذورها التجارية إلى طريق الحرير وتأسست رسمياً عام 1990، وتتسم بتعاون واسع يتجاوز الطاقة ليشمل التكنولوجيا، الصناعة، الاستثمار، والبنية التحتية، مدعو مة بمبادرات مثل رؤية 2030 ومبادرة الحزام والطريق، وتتجسد في اتفاقيات ضخمة ومشاريع مشتركة، حجم التبادل التجاري السعودي الصيني في نمو مستمر، حيث وصل إلى حوالي 102 مليار دولار أمريكي في عام 2024م ، وتوقيع 42 اتفاقية استثمارية بين السعودية والصين بقيمة 1.7 مليار دولار.
المملكة وريادة الأعمال الإنسانية
تواصل بلادي دورها الحيوي على الصعيدين الإقليمي والدولي في ميادين العمل الإنساني، عبر جهودها المستمرة في الإغاثة والتنمية، والتي تُجسّد قيم العطاء والتضامن، حيث قدمت مساعدات انسانية وتنموية منذ تأسيسها تجاوزت قيمتها أكثر من 142 مليار دولار أمريكي، نُفّذت من خلالها 8,457 مشروعًا في 173 دولة عبر مركز الملك سلمان للإغاثة.
المملكة الثانية عالمياً في نضج الحكومة الرقمية
وفق التقرير الصادر عن مجموعة البنك الدولي لمؤشر نضج الحكومة الرقمية (GTMI) لعام 2025م. ويشمل 197 دولة. حققت بلادي المركز الثاني عالمياً في الحكومة الرقمية لتصنف ضمن مجموعة الدول المتقدمة جداً على مستوى المؤشر العام.
«أبشر 2025».. إنجازات رقمية عالمية
في تأكيد على المكانة المتقدمة التي تحتلها بلادي عالميًا في مسار التحول الرقمي الحكومي، يأتي مؤتمر «أبشر 2025» الذي أقيم خلال الفترة من 17 إلى 19 ديسمبر، وضم أكثر من 60 جلسة رئيسة، و80 ورشة عمل، و10 مناطق تفاعلية.
محادثات أميركية - روسية
تواصل دبلوماسية بلادي تكثيف جهودها في الوساطة بين الدول، سعياً لحل النزاعات عبر الطرق السلمية، وتعزيز الحوار والتفاهم لتحقيق تقارب يمهّد لسلام دائم ففي هذا الإطار استضافت الرياض محادثات أميركية - روسية جمعت وزيري خارجية البلدين، في أول لقاء بهذا المستوى منذ اندلاع الحرب الأوكرانية في فبراير 2022.
وحققت المحادثات نجاح ، إذ اتفق الطرفان على إعادة موظفي البعثتين الدبلوماسيتين وتعزيز التعاون الاقتصادي، واصفين المناقشات بأنها «مثمرة» و»خطوة مهمة إلى الأمام».
الوساطة السعودية في الصراع الهندي الباكستاني
دأبت بلادي خلال سنوات ماضية على إحلال السلام بين الطرفين، وطرح الرؤى الدبلوماسية الفاعلة التي تدفع لصنع مسار السلام لحل الأزمة.
في 30 أبريل 2025م أعربت بلادي عن قلقها البالغ بشأن التوتر المتصاعد بين جمهورية الهند وجمهورية باكستان الإسلامية، نتيجة استمرار تبادل إطلاق النار في المناطق الحدودية.
ودعت كلا البلدين إلى خفض التوترات وتجنب التصعيد، مشددة على أهمية حل الخلافات بالطرق الدبلوماسية واحترام مبادئ حسن الجوار. كما أكدت على ضرورة العمل لتحقيق الاستقرار والسلام بما يضمن مصلحة شعبي البلدين والمنطقة بشكل عام.
باتت دبلوماسية بلادي تمثل دور محوري، لا يقتصر فقط على الشرق الأوسط، بل أيضاً على الصعيد العالمي، كما ان الدور البارز الذي تلعبه العلاقات الشخصية التي تجمع مع سمو سيدي بعدد من القادة وزعماء العالم، إلى جانب الاحترام الذي يحظى به سموه على الساحة الدولية.
دورها الحيوي جعل الزعماء حول العالم يتطلعون باستمرار إلى التنسيق مع بلادي، والحرص على معرفة موقفها الإيجابية تجاه كافة الازمات الدولية، نظراً إلى مكانتها المحورية في المشهد السياسي العالمي ، فبلادي أصبحت محط أنظار المجتمع الدولي بوصفها منصة رئيسية تتوجه إليها الدول لنزع فتيل الازمات ولتعزيز الامن والسلم، على الصعيدين الإقليمي والدولي وإيجاد حلول للازمات وقدرتها على ترسيخ الامن والسلم الدوليين الذي يعد الهدف الأساسي لميثاق الامم المتحدة.
ختاماً، أثبتت بلادي أن حضورها الدبلوماسي على الصعيدين الإقليمي والدولي على السعي المستمر لبناء جسور التعاون، وتعزيز الأمن المشترك، وانطلاقاً من دورها الريادي برزت هويتها كدولة صانعة سلام في مواقفها، سواء عبر جهود الوساطة بين الدول المتنازعة، أو عبر مبادراتها الإنسانية التي وصلت إلى أصقاع العالم، أو عبر دعمها الراسخ للمنظمات الدولية ومساعيها الحميدة في تحقيق الأمن والسلم الدوليين.