م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - انطلق مفكرو النهضة الأوائل من العرب في العقد الأخير من القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين من مبدأ - ولا أقول فرضية - أن الإسلام بريء لكن المسلمون هم الفاسدون، والتي عنونها الشيخ «محمد عبده» بقوله: وجدت في فرنسا إسلاماً، ولم أجد مسلمين، ووجدت في مصر مسلمين ولم أجد إسلاماً.
2 - واجه مفكرو النهضة الأوائل مقاومة عنيفة لدعواتهم للنهوض، وكان منطلق جدلية المقاومة يقوم على أن الدعوة إلى التجديد وتطهير الشريعة من الشوائب التي اعترت الدين خلال القرون الثلاثة عشرة الماضية ما هي سوى ذريعة يراد بها تمييع الدين وانحرافه ليوافق هواهم، وأن التجديد المطلوب هو بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة تهوي بصاحبها سبعين دركاً في النار، والتي أصبحت جملة نمطية تردد في خطب الجُمَع.
3 - اتجه مفكرو النهضة الأوائل إلى النقد الذاتي، الذي عده منتقدوه أنه نوع من جلد الذات.. ونظر إليه آخرون على أنه وسيلة لتحسين صورة الغرب في الطريق إلى التفرنج، وأن دعوة الداعين إلى التجديد ونقد الفكر الديني هي وسيلة للتحلل من تعاليم الدين، وأننا بذلك نحقق ما أخبر به الرسول الكريم من أننا سوف نحذو حذو الأمم التي قبلنا حذو القذة بالقذة، وأنهم لو دخلوا جحر ضب لدخلناه.
4 - كما اتجه مفكرو النهضة الأوائل إلى محاربة الهيمنة الغربية على بلاد الإسلام، وأن هذا لن يكون بلا تقدم علمي، وإصلاح سياسي، وتحول مجتمعي يطور من عاداته وتقاليده وثقافته تجاه العمل والتعامل، والدعوة إلى دراسة الفلسفة وعدم تأثيمها، فازدهار الروح الفلسفية لدى أفراد المجتمع يرفع من الرغبة في التعلم ويوقظ التفكير الناقد.
5 - نجح مفكرو النهضة الأوائل في بذر أفكار التقدم والتطور، وأثاروا التساؤل حول فتوى إغلاق باب الاجتهاد وأنها فتوى لا تناسب عصرنا الحاضر، وحاولوا إزالة التلوث الذي طال مصطلح «التجديد»، وأنه لا يعني التبديل والتعديل بل تصحيح التأويل وتغليب مقاصد الشريعة.. واجتهدوا في إحالة العديد من المصطلحات الحديثة إلى القرآن والسنة، وأنها إما وردت نصاً أو معنىً في القرآن الكريم أو في توجيه نبوي واضح.
6 - وجه المفكرون الأوائل اتهاماتهم إلى المؤسسات الدينية وإلى المشايخ القائمين عليها، وأنهم محدودو الاطلاع على العلوم الحديثة وجاهلون بأمور الدنيا المعاصرة وحوادثها.. وأنهم باحتكارهم لحق الفتوى احتكروا حق المعرفة، فزرعوا بجهلهم بذور الظلامية التي سوف تفتن الشباب عن دينهم وتَصْرِفُهم عن اتباعه.
7 - المواجهة بين الحداثة والتراث خلال القرن الماضي اقتصرت على السباب والشتائم وتأليب الحكومة على البعض، وتأجيج الشارع وإثارة الرعاع وتقسيم المجتمع إلى «مع وضد»، رغم أن الأغلبية صامتة ليست مع أي فريق فهي إما جاهلة أو خائفة، فقط سَلَّمت أمرها للحكومة وترجو السلامة والأمن والتعليم لأبنائها والعلاج لمرضاها.