د. محمد بن إبراهيم الملحم
خميس الأسبوع الماضي الموافق 18 ديسمبر 2025 كان اليوم العالمي للغة العربية والاحتفال به في هذا التاريخ من كل عام لأنه يوافق اليوم الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة اللغة العربية كلغة رسمية داخل المنظمة عام 1973وكان شعار هذه السنة هو «آفاق مبتكرة للغة العربية: السياسات والممارسات لرسم مستقبل لغوي أكثر شمولاً»وهو شعار يركّز على دور التعليم، والتكنولوجيا، ووسائل الإعلام، والسياسات العامة في جعل اللغة العربية أكثر وصولًا وشمولاً في عالم متعدد اللغات. ويهدف هذا اليوم العالمي عموما إلى تعزيز لغة الضاد في الثقافة والتقنية وتسليط الضوء على مكانتها العالمية، ولاشك أن مستقبل لغتنا يتشكل من خلال ما نصنعه اليوم من مبادرات تعليمية وإعلامية، ومن خلال الأدوات التقنية التي نطورها لتعزيز حضور العربية في كل مجالات الحياة، فاحتفاؤنا بالعربية هو احتفاء بلغة الأصالة والانتماء ولغة المستقبل الذي نطمح إليه. وأجمل ما في العربية أنها لغة تحبّ من يحبها، فكلما توسّعت معرفتك بها، اتّسع معك العالم.
ومن المهم هنا الإشارة إلى أن مكانة اللغة العربية في عالم الذكاء الاصطناعي تزداد يومًا بعد يوم، فقد أصبحت العربية مدعومة في أحدث نماذج اللغات، وتدخل بقوة في مجالات مثل المساعدات الذكية، تحليل النصوص والمشاعر، التعليم الإلكتروني، الترجمة الآلية المتقدمة، بل حتى الإبداع الشعري، ولذلك فإن تعزيز المحتوى العربي، وتطوير بيانات لغوية عربية عالية الجودة، يمثل حجر الأساس في بناء أنظمة ذكاء اصطناعي تتحدث وتفهم لغتنا بدقة، ومن هنا نقول: إن الاستثمار في اللغة العربية هو استثمار في مستقبل التقنية، ومكانتنا في العالم الرقمي. وبهذا الاعتبار فإن اللغات لا تُصان بالحفظ وحده، بل بالقدرة على ابتكار مستقبلٍ يتّسع لنبضها، فلغة الضاد ليست ذاكرة فحسب، بل أفق جديد يتشكّل كل يوم. وهي قادرة على أن تكون لغة معرفةٍ ورقمنة وذكاء اصطناعي، لا لغة تراث فقط، وهي تستعيد حضورها حين نكتب بها بتفكير حديث، لا حين نكتفي بتمجيدها.
فالمستقبل يحتاج لغةً حية... لا لغة محنّطة، وحين تتحوّل اللغة إلى أداة للفهم وصناعة المعنى، تغدو قادرة على بناء مجتمعٍ معرفي، لا مجرد التزيّن ببلاغة القول.
اللغة العربية اليوم ليست بحاجة إلى المديح، بل إلى مشروع، ويكون مشروعا يربطها بالتعليم الحديث، وبعلوم البيانات، وبالصناعات الإبداعية، وباقتصاد المعرفة، ذلك وحده ما يجعلها لغة مستقبل، لا لغة احتفال سنوي، وحين نتحدث عن «آفاق مبتكرة للغة العربية»، فنحن نتحدث عن بناء منظومة تعليم فعال، ومحتوى رقمي ثري، وسياسات لغوية حديثة، مع تمكينها في الذكاء الاصطناعي. فاللغة تزدهر حين تُستثمر... لا حين تُحافَظ عليها في المتاحف، والقوة الحقيقية للغة العربية لن تأتي من الدفاع عنها، بل من استخدامها في البحث، والتعليم، والذكاء الاصطناعي، وصناعة المحتوى، وفي عالمٍ متعدد اللغات، لا نخشى أن تضيع العربية... بل نخشى ألّا نمنحها ما تحتاجه لتكون لاعبًا رئيسًا في فضاء التقنية والمعرفة.
** **
- مدير عام تعليم سابقاً