م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
الصراع بين من يريد أسلمة الحداثة وبين من يريد تحديث الإسلام سوف يمتد طويلاً، ويدفع كلا الطرفين للاستنجاد بالخارج، مع علم ويقين الطرفين بأن ذلك خيانة وطنية، لكن لن يوقفهم ذلك.. فالخيار الآخر هو انتصار الطرف الآخر، والغريق ليس أمامه سوى التشبث ولو بقشة، هكذا سوف يبرر كل طرف منهما خيانته لوطنه!
ولا فكاك من هذا الوضع إلا بظهور قائد فذ، يتقدم بالمجتمع فيحس أفراده وبسرعة بالفارق الذي صنعه، ومن ثم يثقون به وبكل خطوة يتخذها.. هذا وحده الذي يستطيع أن يردع من تسوِّل له نفسه بالاعتقاد أنه يحمل الحقيقة المطلقة، ويوقف من يدعو إلى وقف التنمية والحداثة بداعي أنها آتية من الغرب، ويسمح للمفكرين والمبدعين أن يبدعوا كل في مجاله، ويمنع الأغلبية عن ظلم وانتهاك حقوق الأقلية.
لقد استطاع الغرب بمفكريه ومستشرقيه أن يقرأوا أو يصفوا الحالة المجتمعية للعرب، وعرفوا كيف يمكن نقض النسيج المجتمعي العربي وتفكيكه بواسطة آليات عديدة منها استعداء المسلم على غير المسلم، والسني على الشيعي، والمتدين على الليبرالي، وهكذا.. واستطاع ساسة الغرب من خلال ذلك الوصف لحال المجتمعات العربية أن يفتتوا البنية الوطنية، ويفككوا الترابط المجتمعي، ويتلاعبوا بالوحدة الوطنية.. انظر كيف أعادوا «ثارات الحسين» فأدخلوا العراق في متاهات التمزّق على مستوى الأرض بالتقسيم، وعلى مستوى المجتمع بإشعال العداوات الطائفية، فالعراق اليوم أمامه قرن إن لم يكن أكثر لينهض من جديد، وكذلك الحال في سوريا وليبيا واليمن والسودان ولبنان، والله يستر على البقية.
لا شك أن الساسة الغربيين لم يستطيعوا اختراق المنطقة وتفكيكها من خلال وصف المفكرين والمستشرقين الغربيين للمجتمعات العربية فقط، بل بالتلاعب بالأطراف المكَوِّنة للطيف المجتمعي لتلك البلاد، واستغلال حالة القمع التي تمارسها حكومات تلك المجتمعات، واسترجاع التعاليم والفتاوى الدينية القديمة التي استفادوا منها واستطاعوا بواسطتها تأجيج الفتن، واستغلال قضية الأكثرية والأقلية لدفع الأقليات للاستعانة بالخارج لحمايتها في البداية ومن ثم دفعها للاستقواء على الأكثرية بعد ذلك.
المفكرون الغربيون لم يقابلهم للأسف مفكرون عرب قادرون على تحليل الأمور وشرحها وتقديم الحلول إن أمكن.. وهناك من يبرر ذلك بأن المفكر العربي نادر الوجود، وإذا وُجِد فهو خائف من رجال السياسة ورجال الدين وأعراف المجتمع، أما أن نطالبهم بالحلول فهذا أمر خارق للواقع، فهم مفكرون جيدون (ربما) لكن ليسوا عباقرة ولا أنبياء يأتيهم الوحي وهم نائمون.. فلا توجد مراكز تؤدي جهوداً منظمة تعاونية تكاملية مع أطراف الطروحات الفكرية حتى تصبح جاهزة للاستفادة، ولا حكومة راغبة في الاستفادة من ذلك الفكر فتضع البرامج والمبادرات والمشاريع لتطبيق تلك الأفكار وإشاعتها بين الناس.
داء العرب هو داء داخلي، نعم المؤثِّر والمستفيد وربما المحرك خارجي، لكنه لا يمكن أن ينجح لو لم يكن الداء الداخلي جاهزاً للعمل.