Al Jazirah NewsPaper Wednesday17/01/2007 G Issue 7
أقلام
الاربعاء 28 ,ذو الحجة 1427 العدد7
اقتصاديات السيارات
د. زيد بن محمد الرماني

ليس هناك أي سيارة مهما كانت ذكية أو كفؤة في استخدام الوقود تستطيع القضاء على تمدّد الإعمار الذي يلتهم الأراضي، وهو أحد الآثار الوخيمة للاعتماد المتزايد أبداً على السيارات، وأحد العوامل الرئيسة على تعزيز وجودها.

وبالنسبة لمعظم الناس، فإن القدرة على امتلاك التقنيات الجديدة ليست أكثر من القدرة على امتلاك السيارات التقليدية. وزيادة على ذلك، فإذا كان تحضير السفر بالسيارات من شأنه مجرد استدامة السعي المعتاد للتنقل والانتقال، فإنه حتى أصحاب السيارات أنفسهم لن يكون بإمكانهم الوصول إلى الأماكن والأشياء التي يريدونها بطريقة أفضل.

ففي عام 1950م كان هناك سيارة لكل 46 إنساناً بالنسبة للعالم ككل. وتنامى أسطول السيارات العالمي بصورة سريعة عندما بدأ الناس في الدول الصناعية يمتلكون السيارات في الخمسينات والستينات، الأمر الذي ضاعف أربع مرات العدد الإجمالي للسيارات بحلول أوائل السبعينات.

وعندما أخذ سوق الدول الغنية الشاسع هذا في الاقتراب من نقطة التشُّبع، تباطأ نمو السيارات العالمي على الرغم من معدلات النمو العالية في أعداد السيارات في الدول النامية وأوروبا الشرقية. واتسعت ملكية السيارات من سيارة لكل 18 فرداً في عام 1970م إلى المستوى الحالي المتمثل في سيارة لكل 8 أفراد.

وعلى الرغم من تباطؤ النمو في أعداد السيارات في الدول الصناعية، بَيْدَ أن التزايد في عدد الكيلومترات التي تقطعها السيارات لم يتباطأ ، فما بين عامي 1970م و2000م ازداد عدد الكيلومترات التي قطعتها السيارات بنسبة 20% أعلى من نسبة تسجيل السيارات الجديدة.

ويبدو جلياً ذلك في تجربة أمريكا وكيف أن السيارة وهي تتحول من مجرد نوع من الكماليات إلى ضرورة حياتية، إلا أنها لم تسهم إلا بالقليل في تحسين فرص الوصول إلى الأماكن المقصودة.

ففي العقود الأولى من القرن الماضي -كما تقول مارسيا دي لاو- كان من المؤكد أن بإمكان أصحاب السيارات في أمريكا القيام بحاجاتهم الأساسية من السفر بصورة أسهل وأسرع مما كان عليه الحال بالنسبة لهم قبل امتلاكهم للسيارات.

بَيْدَ أنه في وقت مبكر مثل أوائل الخمسينات، لم تعد السيارة نوعاً من الكماليات في أمريكا. ففي ذلك الوقت، أصبح عدد السيارات بالنسبة للفرد الواحد مثل تلك النسبة التي أصبحت لدى بريطانيا فيما بعد عام 1980م وأدى التوسع في السفر في أمريكا بلا هوادة، رغم الاقتراب من نقطة التشبُّع تقريباً في امتلاك السيارات، إلى رفع عدد الكيلومترات التي يقطعها الشخص العادي بالسيارة من 3800 في عام 1950م إلى 10200 كيلومتر عام 2000م.

وتعكس الزيادة المطردة في قيادة السيارات لا مجرد ازدياد طول رحلات السيارات بل تزايد عددها كذلك. فقد ارتفع عدد رحلات السيارات السنوية التي تقوم بها كل أسرة من 1400 رحلة عام 1970م إلى 1900 رحلة عام 2000م.

ويعكس بعض هذه الزيادة التغيرات التي طرأت على أوضاع الأسرة، مثل عدد الرحلات الزائدة للعمل التي تقوم بها النساء العاملات خارج المنزل. ولكن الكثير من هذه الرحلات يعكس الحلقة المفرغة التي يقود الاعتماد على السيارات فيها إلى عدم الكفاءة في استخدام الأراضي، والذي سينجم عنه زيادة قيادة السيارات. حقاً إنها حلقة مفرغة، كثرة سيارات تؤدي لنقص في كفاءة الأراضي تؤدة إلى زيادة قيادة السيارات.

لقد تحوّل نمو المدن والضواحي خلال العقود الأخيرة بشكل لافت، بعيداً عن المجتمعات المتراصة التي سادت في الماضي الذي سبق ظهور السيارات نحو الإمدادات العمرانية متناثرة السكان.

مع ذلك، وفي خاتمة المطاف، فلابد لنا من إصلاح استخدام الأراضي، وسيتطلب الأمر تبني أشكال السفر المحمودة بصورة أكبر، وسيعزز كذلك التغييرات الأساسية على الطريقة التي يتم بها رسم النشاطات على طول المنظر الطبيعي وعرضه، إذ كلما قصرت المسافة زاد احتمال قيام الفرد الواحد منا بتحقيق ما يريد تحقيقه دون حاجة إلى الصعود إلى السيارة. وقد آن أوان ذلك...

عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسة

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة