Car Magazine Wednesday  07/05/2008 G Issue 71

الاربعاء 2 ,جمادى الاولى 1429   العدد  71

 

 

في هذا العدد

 

أقلام

 
حديث عابر
أحمد عزو *

 

 

موسيقى سيارته يسمعها كل من يمر من هناك.. قام بتشغيلها ليُسمع الموجودين.. ومع أن الصوت عال أراد أن يقوم بإضافة سماعات جديدة.. فالأجهزة الأصلية ضعيفة ولا تفي بالغرض هكذا كان يقول.. أظهرت تطفلي واستفسرت منه عن الغرض الذي يريد.. كان جوابه عجيباً:

- يجب أن ترقص السيارة عند تشغيل الموسيقى.

جمعتني المصادفة به في (الصناعية).. الكل هناك مشغول.. أصحاب السيارات جميعهم مهمومون من أعطال سياراتهم.. يريدون أن ينتهوا من الإصلاح ليذهب كل منهم إلى سبيله.. حركة دائبة وضجيج لا ينتهي..

هاجسي أن تنتهي سيارتي من إصلاح عطل البطارية.. أما هو فكان هاجسه عدة أمور: أن يضيف (سماعات) ضخمة لسيارته.. أن يغير شكل (الجنوط) العادية إلى (جنوط مروحة) يدور حتى إن توقفت السيارة.. أن يغير نوع (الشمعات) للمصابيح الأمامية فيجعلها (زنون).. قال له الكهربائي إنها غالية.. ثلاثمئة ريال لكل شمعة!!.. ضحك بوجهه بابتسامة أشبعها استهزاء:

- وهل أنت خائف على مالي؟!.. ركِّبها فقط..

هناك في الصناعية جلسنا نتحدث حديث العابرين.. لا يتحدثون إلا لمجرد قضاء الوقت.. ليس للتعارف ولا لبناء صداقة.. وفي أغلب الوقت كان هو المتحدث.. وكنت المستمع الوحيد..

- لا أكاد أشعر بالأرض تحت عجلات سيارتي.. أتنقل من مسار إلى آخر دون إشارة يمينية أو يسارية.. لا يهم ذلك.. لم أتعود أصلاً على استعمال هذه الإشارات الخاصة بالضعفاء.. لا أسمح لأحد أن يتجاوزني أو يستثيرني في الطريق.. وعندئذ سيندم من يعاندني..

في ذلك المكان مع ذلك الشاب كانت اللحظات ثقيلة على نفسي.. تمنيت لو أنني لم ألتق به.. مثل هؤلاء يشكلون عبئاً ليس على أهلهم فقط بل على كل المحيطين.. وما أمثلة من ماتوا من استهتار هؤلاء ببعيدة..

للحظات تخيلت أنه شخص يحب المبالغة في كل شيء يتحدث عنه.. ثم ما لبثت إلا أن استبعدت ذلك من رأسي.. فهؤلاء الأشخاص أرى بعضهم يتصرفون في الشوارع مثل تصرفه.. حتى أن أحدهم على طريق سريع فقد السيطرة على سيارته من هول السرعة.. اصطدم بسيارة عن يمينه.. ابتعد إلى اليسار بحركة كانت شديدة فصدم السيارة التي على يساره.. عاد إلى اليمين ليصطدم بالرصيف وتتوقف سيارته رغماً عنها بعد عدة دورانات.. كان يبعد عني نحو 200 متر.. خففت السرعة كي أسلم.. وكي أرى ما الذي يجري.. أو أستطيع تقديم أي مساعدة.. وأنا أقترب منه وبحركة سريعة لفَّ المقود وأصدرت عجلاته صريراً وصل عنان السماء.. انطلق مرة أخرى وكأن الذي جرى ما كان.. أما صاحبا السيارتين المتضررتين فقد وقفا جانباً مذهولين مما حدث.

هذا الشاب الذي بجانبي كان من هؤلاء.. من الذين لا يبالون بأرواحهم فكيف سيبالون بأرواح الناس من حولهم.. من الذين يعتبرون الطريق لهم وحدهم والباقون مجرد حشرات متناثرة.. من الذين جعلوا الشوارع والطرقات السريعة حلبات لراليات الموت السريع.. من الذين لا يقيمون وزناً للمرور وقواعده التي لم توضع إلا لحماية الناس من آلات القتل.. من الذين يرفعون الأنوار الساطعة الأمامية بشكل دائم.. نهاراً وليلاً.. لا شأن لهم إن كان الذي قبلهم سيتأذى منها..

تابع مغامراته وأنا أسمع رغماً عني:

- أنا لا أحب أن أضع مسافة كافية بيني وبين السيارة التي قبلي.. المسافة القريبة تجعل الذي قبلي يخاف.. هذا ما أريده.. عندئذ أشعر بنشوة عارمة.. أنني وسيارتي نملك الطريق.. لا مجال للضعفاء معي.. حتى أنني وضعت صدّاماً قوياً رائعاً.. انظر ما أجمله..

أصبحت سيارته جاهزة.. دفع التكلفة.. وبسرعة الريح أدارها.. وبسرعة الريح انصرف.. مخلفاً دخاناً أعمى الجميع.. وصوتاً جعل الناس يتمتمون..

لم ألمح إلا بقايا ملصق على شنطة سيارته.. (فضلاً.. مسافة كافية).

* الرياض Ahmadez69@yahoo.com

الصفحة الرئيسية

رجوع

حفظ

طباعة

 
 
 
بريدنا الإلكتروني
 
البحث
 
أرشيف الأعداد الأسبوعية
 
صفحات العدد
خدمات الجزيرة
بريدنا الإلكتروني
اصدارات الجزيرة