الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 1st May,2006 العدد : 151

الأثنين 3 ,ربيع الثاني 1427

شعراء الأرض

*أحمد الدويحي:
مدن كالنساء من كل الوجوه، مدن تحتويك من الوهلة الأولى، تشعر فيها بالحياة والسعادة والأمان، ومدن تنفر منها منذ اللحظة الأولى.
مئات العناوين الإبداعية التي تعنى بالوطن، بالمدن، بالمكان، بمهد الطفولة، بمسقط الرأس، وقد نسميه ما نشاء من الأسماء، ونصبغ عليه كل الصفات، بكل اللغات وكل الأجناس الأدبية بغض النظر عن توجهات الكتاب الفكرية ومدارسهم الفنية الإبداعية، وتبقى صلة المبدع وعلاقته بالأرض، هي محور السؤال.
تأملت سؤالاً كهذا، وأنا أتأمل تسمية (بيت) الشعر بنادي الرياض الأدبي، فالذاكرة تحفظ نصوصاً شعرية محلية بهذا المعنى، كالأعمال الشعرية الكاملة للراحل طاهر زمخشري (الخضراء)، ترمز إلى الأرض الخضراء تونس، والذات هي الأفق الأخضر الذي يستهل به أغلب قصائده، وتأتي قصائد الشاعر أحمد بهكلي في هذا السياق (الأرض حبيبتي)، لتشكل العلاقة مع الأرض حنيناً ومنتدى للذكريات، والشاعران معا يكثران من تسمية المدن، والشوق إليها في أكثر قصائدهما، ومهما قيل عن فرضية وشرف السؤال، يظل سؤالاً سهلاً طريفاً، وحينما نفتش في الذاكرة، تظهر على رفوفها العناوين الصغيرة، الدالة إلى مكان ما، مسرح فعل ثقافي وبقايا فعل إنساني، وكان لابد من استبعاد أي لغة غير إبداعية، لا تقيم حواراً مع الأرض؛ فكثير منها يميل إلى قضايا محددة أخرى، ويأتي المكان كحلة لقضية أولى، وليس الأرض ذاتها روح الحوار والحب، فقد يتبادر إلى الذهن أشعار شعراء الأرض المحتلة في الواجهة، ونستمتع بها، ومن الأسماء ديوان ك(أزهار الجليل) الشعرية، وهناك في هذا السياق مئات العناوين الدالة إلى قضايا الشعوب، وخفقان الناس وأنفاس المدن في كل الأحوال، وتمثل الأعمال السردية جزءا أصيلا وواسعا للمكان وأهميته وتأثيره من رؤية كتابها، ويعد عالم السرد أكثر الفنون إنتاجا واحتفاء بالمكان، لأن هناك تأثيرا متبادلا بين الشخصية والمكان، الذي يقيم المبدع فيه، والفضاء الروائي يكشف الحياة الدالة على مكونات رابطة بالإنسان، فتسلم شعرية المكان بتأثير الوجود الإنساني فيه.
وتبقى في النص السردي المحلي مجموعة (حوار على بوابة الأرض)، أولى مجاميع عبده خال القصصية، أول الأعمال المحلية السردية تفعل ذلك، الحوار مع الأرض بغض النظر عن تشعب خطابها الإبداعي، وقد تكون الوحيدة إذا صدقت ذاكرتي، لكن في الذاكرة تسطع رواية مهمة في السرد العربي، تقود إلى استحضار الدلالة في جانب منها، حول علاقة المبدع بالأرض من أحد الوجوه، رواية تحمل ذات الهم مباشرة (الأرض)، للروائي عبد الرحمن الشرقاوي.
إذاً.. تعالوا نعيد طرح السؤال.. ونسأل حول العلاقة بين الذات المبدعة والموضوع (الأرض)؟ وقد أحسن الصديق عبده في تسمية ووصف العلاقة بالحوار، وهي درجة عالية من حساسية الرؤية الواعية، وطبعا سأتكئ على ذاكرتي المخرومة أصلاً، لاستكمال ما بدأت طرحه من سؤال.. إذ يصف د. عبد المحسن طه بدر هذه العلاقة بين المبدع والأرض، بأنها حالة من التمرد، حينما يصبح منبع الاختيار داخل ذات الفنان بدلا من خارجها، ليتعامل مع البشر العاديين والبسطاء، وهم الذين فضيلتهم الكبرى في حرارة قلوبهم، وعدوهم الذي يحاربهم هو الظلم الاجتماعي والنفاق الاجتماعي، والحواجز التي لا تعترف بتلك الفضيلة الكبرى، ومجتمع يطغى على الذات، ويحرمها حقوقها الطبيعية. وجاءت رواية (الأرض) للشرقاوي على هذا النحو، لتجسد الصراع بين السلطة والفلاحين، تستقطب كل حركة في القرية، كمعادل لنص آخر هي رواية (زينب) لهيكل، فتحدد الصراع بين القرية والقوى الطاغية (الإنجليز)، وليستنير بخطى الصراع الذاتي في اتجاه القضية الوطنية الأولى، قضية التحرر ولو تعددت أوجه العلاقة مع الأرض، من حالات مناجاة وحبّ وتمرد وهرب.


aldwi7y1000@yahoo.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved