الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 1st May,2006 العدد : 151

الأثنين 3 ,ربيع الثاني 1427

حمزة شحاتة.. مركزية الذات
(القابلية - الطبيعة - الموقف) «2»

*سحمي ماجد الهاجري :
***
الرؤية النقدية:
تأسيساً على ما سبق، ينشأ سؤال هام.
ما هي رؤيته النقدية النهائية تجاه إنتاجه الشعري والفكري؟ مع أنه لم يصرح بها بل انعكست في مواقفه وهو الذي قال (عبثاً أحاول التخلص من سيطرة شخصية الناقد على اتجاه ما أنتج) (أحمد دمياطي، رحلة إلى الأعماق د.ت، د.ن ص71).
وهل هي رؤية منفصلة عن طبيعته الشخصية أم أنها فرع منها؟ ولماذا لم يصرح بهذه الرؤية؟.
بداية لا بد من المبادرة إلى البحث عن إجابة على هذا السؤال الأخير، لأنها تمهد الطريق للوصول إلى رؤيته النقدية على المستوى الفني من جانب، وكيف تحولت مركزية الذات عنده من قابلية إلى طبيعة، ثم إلى موقف، وما أثر ذلك على رؤيته النقدية لإنتاجه.
والإجابة نجدها في أقوال محبيه من المعارف والدارسين، فهو لا يحب أن يوصف بالنقص أو القصور، ولذلك فضل عدم نشر شعره أو نثره، بدلاً من التصريح بالقصور، وهذا يتسق مع طبيعته الشخصية المتشددة مع ذاته، كجزء لا يتجزأ من جوهرية هذه الذات.
يقول محمد حسين زيدان (التحدي فيه أن يرفض كل ما يتصور أنه النقص يوصف به) (جريدة المدينة، ملحق الأربعاء، ص17 3-5-1403هـ عن الخطيئة والتكفير، ص 197)، ويقول عزيز ضياء (لم يكن يرضى قط إلا بأقصى مراتب التفوق) (حمزة شحاتة، قمة عرفت ولم تكتشف، ص 49)، ويقول أنور زعلوك: لا يعرف شيئاً اسمه الوسط وأنصاف الحلول، أشد ما يستفزه أن يتعامل مع نصف رجل أو مع نصف امرأة أو نصف حل تأسره الرجولة الكاملة والأنوثة الكاملة والحلول الجذرية الكاملة، (حمزة شحاتة، شجون لاتنتهي دار الشعب مصر 1975م الغلاف الخلفي)، ويقول الدكتور عبد الله الغذامي (هذا الرجل لا يقبل في نفسه ولا في حياته إلا ما هو تام) (الخطيئة والتكفير، ص 202).
ومن مجمل هذه الأقوال وأمثالها نخرج بنتيجتين:
الأولى: وهي واضحة لأنها جزء من تركيبته الذاتية أنه لم يرض بما رآه قصوراً في إنتاجه رغم إعجاب الآخرين به، وانسحب هذا على مراجعة مواقفه مما يحدث على مستوى الشأن العام.
والثانية: وهي خفية لأنها جزء من تركيبته الذاتية أيضاً أنه لم يصرح بذلك القصور الفني والفكري والسياسي، انسجاماً واتساقاً مع طبيعة شخصيته المولعة بالكمال، وخوفاً من أن تنتقل صورة هذا القصور من الدائرة الفنية إلى الدائرة الشخصية (لأنه إنسان فيه إباء واعتزاز بالنفس) (حمزة شحاتة: ظلمه عصره، ص 9).
وكان المخرج المنطقي في هذه الحالة هو قرار اللامبالاة حيال المواقف السابقة وحيال الإنتاج الأدبي، والإلحاح الشديد على إخفاء ما سبق من ذلك، والحرص على عدم إذاعته بين الناس من جهة أخرى، والشواهد على هذا مستفيضة.
يقول لابنته شيرين لمنعها من نشر رسائله (صلي على النبي واعقلي وسمي بالرحمان) (إلى ابنتي شيرين, الرسالة رقم52 ص186).
ويستنجد بزوجها في رسالة أخرى إني أصارع الذين ينشرون لي أو عني أي شيء فماذا تريد أن تفعل بي هذه الحمقاء, ويضيف في نفس الرسالة إنها لا تدرك الخطورة في نشر شيء لإنسان اختار أن يظل متحرراً من المجال الأدبي (السابق، الرسالة رقم 60 ص212).
ويقول عبد الفتاح أبو مدين: كم أحزنني حين كنت أسمع أنه يكتب القصائد الرنانة القوية وشعره كله قوي وبعد أيام أو شهور يمزقها وتمحى فهو في رأيه غير راضٍ عنها، ولذلك فهي في تصوره غير خليقة بأن تبقى كأثر له بعده أو تظهر في حياته (في معترك الحياة، نادي جدة الأدبي الثقافي أدبي 1402ه 1982م ص 161).
ويضيف في كتاب آخر (دفن ما بقي عنده من آثار حرقاً وتمزيقاً لأنه إنسان فيه إباء واعتزاز بالنفس) (حمزة شحاتة ظلمه عصره، ص9) وهنا يمكن الوقوف لمحاولة التعرف على السبب الفني الذي ربما اعتبره حمزة شحاتة نوعاً من القصور الذي لا يرضيه، وقد نجد أحد مفاتيح ذلك في عبارة عبد الفتاح أبي مدين عن شعر الابتداعيين وحمزة شحاته واحد منهم؛ يقول أبو مدين إن شعرهم يقوم على إشباع الشعر بالتفكير والتأمل (أمواج وأثباج ط2 نادي 1405هـ - 1985م ص22).
بمعنى أن التداخل بين الشعر والفكر كان سمة لازمة لشعر الابتداعيين لأسباب تعود إلى طبيعة تلك المرحلة أكثر مما تعود لموهبة حمزة شحاتة، وهو ما حدا به حين نضج فيما بعد بأن يتحول في رؤيته النقدية لشعره، فقد شعر أن الفكر قد أفسد الشعر، وأن الشعر قد أفسد الفكر، وهي معادلة رأى فيها نوعاً من القصور (شعر + فكر أو فكر + شعر) قد تكون عند الكثيرين ميزة إيجابية، ولكنها عند حمزة شحاتة ميزة سلبية ومنقصة، فالزيادة عنده مثل النقصان.
ويدعم هذا ما روته ابنته شيرين من حكايته مع الموظف الذي طلب منه اسمه الثلاثي فقال له هذا هو أنا حمزة شحاتة ولو زدت حرفاً واحداً فهو كأن تنقص حرفاً، ولن يكون أنا عندئذ. (الخطيئة والتكفير ص 200).
ولعله اعتبر دخول الفكر على الشعر, ودخول الشعر على الفكر زيادة تماثل النقص في كليهما، فعند شحاتة كما يقول الغذامي (تتحول الفلسفة إلى شعر، والعقلانية إلى زخم عاطفي تنفجر كلماته بين السطور) (السابق ص 205) والحاصل أن الفلسفة هنا لا تكون فلسفة تامة، ولا الشعر شعراً تاماً، ولذلك لم يرضيا حمزة شحاته الباحث الدؤوب عن الكمال، فالغذامي كان مشغولاً بملاحقة النموذج البعيد، وهذا هو سبب ذهوله عن هذا الجانب، وحمزة شحاتة في كل ذلك ليس عصابياً بسبب خطيئة البشر الأولى، بل مبدعاً ذا بصيرة ناقدة، واختار بمحض إرادته التكفير عن هذا القصور الفني الذي لاحظه في إنتاجه بعدم النشر، ولهذا يقول (لا تكفي الندامة لمحو أثر الذنب.. التكفير هو الذي يكفي) (رفات عقل ص 47) وهو الذي أوصى ألا يقع حفيده في نفس المأزق حين كتب في إحدى رسائله لابنته شيرين إنكم تدفعونه إلى أن يتفلسف أو ينحرف فيصبح شاعراً... لايموها بقى وكفاية لخبطة. (إلى ابنتي شيرين، الرسالة رقم 53 ص189) .
والعبرة هنا ليست بأن الكثيرين لم يروا هذه (اللخبطة) بين الفلسفة والشعر، فالمهم في المسألة هو أن حمزة شحاتة رآها، خصوصاً في الجزء الثاني من حياته، حين أصبحت متطلباته الجمالية والنقدية أعلى سقفاً من قناعاتهم المحدودة، واكتشف أن شعره الذهني وفكره الشاعري قد اختلطا رغماً عنه، بسبب طبيعة الخطاب الشعري والثقافي السائد آنذاك، وبهذا تنطبق عليه من الناحية الفنية عبارة أبي مدين (ظلمه عصره) وإن كان أبو مدين يعزو ذلك إلى عدم التقدير الكافي، أو عدم تسنم المناصب الرفيعة بما يوازي مكانته الأدبية على غرار الأدباء الآخرين، فقد كان الأدب هو مكتب التوظيف الذي تشغل عن طريقه أهم وظائف الدولة.
دثت كل هذه الملابسات في المجال الأدبي، وحدث ما يشابهها للمواقف الفكرية والسياسية، وهي مواقف انطوت منذ البداية على تناقض واضح، لأنها تتذبذب بين الالتزام بالإقليمية الضيقة جداً، والنزوع إلى الإطار القومي الواسع جداً، ولم ينجح هذا التذبذب في التحول إلى آلية احتجاج ناجعة على الواقع الحقيقي.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved