الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 1st May,2006 العدد : 151

الأثنين 3 ,ربيع الثاني 1427

الماغوط.. لا الزمان باق.. ولا أنت زائل
*مالك ناصر درار جدة:
* رحل محمد الماغوط شاعر النثر والعامية الشامية، وصاحب المراثي السينمائية والتلفزيونية المليئة بالتهكم المرير والابتسامات السوداء: مراثي الأحلام العربية الكبيرة في القرن العشرين، المقروءة على أيدي كل أنواع الانقلابيين والثوريين وكل أنواع خصومهم، السكونيين والتقليديين.. الذي لم يحقق له الشعر أي جماهيرية حقيقية، وإنما كان منبرا أعلن منه حزنه وبؤسه الخاصين، بعكس السينما والتلفزيون والصحافة التي كانت كلها منابر أطلق منها تهكماته على السياسيين والأيديولوجيين العرب الذين عادوا واعترفوا به جميعا، وسعى كل منهم إلى (ادعاء) نسبته إلى قبيلته بعد أن كانوا أنكروه جميعا، أو تنكروا له، مقابل إنكاره أن لأي منهم فضلا عليه، أو على الأمة!.
* رحل محمد الماغوط، الذي اشتهر بين قراء الشعر العرب - وهو أغلبه وسط الأقلية المثقفة - بديوانه: الفرح ليس مهنتي (عام 1950) وجعلهم يراجعون أنفسهم ليكتشفوا ديوانين سابقين له: (حزن في ضوء القمر) عام 1959 و(غرفة بملايين الجدران) عام 1964.. وفي هذه المراجعة اكتشفوا أن الماغوط الذي كان يتحدث في مقاهي الحميدية بدمشق أو الحمراء ببيروت كأنه (قومي سوري)، أو كأنه معبر بالكلام عن (الحزب السوري القومي الاجتماعي).. اكتشفوا أنه مبدع حقيقي لا يمكن أن تحبس عبقريته، ولا أن يحبس خياله في أي أيديولوجية سياسية مهما كان من ضخامة أصحابها، ولكنهم ورغم أهل الاكتشاف حاولوا احتواءه، فأنكرهم جميعا: القوميين العرب، والماركسيين والبعثيين والسلفيين، بكل أجنحتهم وتياراتهم؛ لأنه كان يبحث عن السبيل الحقيقي لتحقيق أحلام بسطاء العرب: في الديمقراطية والعدل والمعرفة والحب والوحدة الحقيقية، وليس مجرد التوحيد السياسي الفوقي..
* فرغم أن مجلة (شعر) هي التي قدمته - بقلم أدونيس نفسه - فإنه لم يكن (نفرا) في تيارها، ورغم أن جريدة (النهار) منحته جائزتها، كما منحته مؤسسة أخرى جائزة (سعيد عقل) الذوق السوري فإن الجائزتين لم تتمكنا من محو أحزانه، ولا أن تدخل على حياته الفرح..
* أعرف أنه بدأ يتفاءل - تفاؤلا شخصيا - حين اعتلى منابر السينما، وحين حقق فيلم (الحدود) مع دريد لحام جماهيرية (قومية) لم يحققها فيلم كوميدي عربي قبله ووسط البسطاء ووسط المثقفين والنقاد على السواء.. وأعرف أن تفاؤله كان (شخصيا) أكثر منه (قوميا) حين تزايدت دعوات كل الأقطار العربية لمسرحيته (كاسك يا وطن) التي امتزج فيها رثاء الحلم القومي الكبير بهجاء من تسببوا في تحطيم هذا الحلم أو في تحويله إلى كابوس، لا تعالجه سوى اليقظة الكاملة الشاملة، الديموقراطية وحكم القانون والعدالة والمعرفة المستنيرة التي تعود فيها (السياسة) لترتبط بالقيم الاخلاقية لا بالأيديولوجيا!!. وهذه هي شروط: (الشرفات العالية) والأماكن التي سأبلغها بأسناني وأظافري...) كما قال في قصيدته: (الغجري)؟؟
* رأي الماغوط أن أوزان الشعر تحبس الإبداع مثلما تحبس الأيديولوجيات الجامدة خيال المبدع، وأن (الدراما) متعددة الأصوات ومستويات الرؤية والتفكير، وحيث تتصادم الأحادات والابتسامات مع النحيب أو مع القهقهة تستطيع أن تصل (رؤية الشاعر) إلى الناس البسطاء وليس القصيدة، ولا حتى الأغنية.. فكتب للمسرح والسينما والتليفزيون.
* ورأى أن (المقال) الانتقادي المشحون برؤى الشاعر الناظرة للمستقبل أكثر قدرة - بدوره - من القصيدة، فكتب المقال (في صحيفة تشرين بعد حرب أكتوبر).
* ومع ذلك، فإن تفاؤله الشخصي - بعد أن تحقق من أنه كسر حواجز الأمية والعجز عن الفهم - بينه وبين بسطاء الناس، لم يدخل إلى قلبه الفرح لكن بعد أن تحول من سجين ومنفي ومطارد إلى (نجم) ترعبه كل القبائل.
* وعندما قرر أن يجامل آخر من أعلنوا أنهم يدعونه ويكرمونه، وقال لهم إنه (الآن يشعر بالفرح).. لم يحتمل قلبه ولا دماغه، فقررا له الرحيل!.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved