الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 1st May,2006 العدد : 151

الأثنين 3 ,ربيع الثاني 1427

إطلالة.... المرض سلطان
*محمود البعلاو:
من عنوان قصته (النهر سلطان) التي كتبها في السبعينيات عن نهر الفرات وجموحه أوقات فيضانه في شهر نيسان، قبل أن يلجم بسد كبير في منطقة الطبقة ، ننطلق اليوم لنقف في حضرة أديبنا الكبير الدكتور عبد السلام العجيلي الذي كان كالفرات في تدفقه وعطائه، لكن المرض أقعده؛ فأصبح طريح الفراش ومنعه من ممارسة هوايته الأثيرة لديه في عوالم الكتابة وبحور الأدب، والتي يصرّ على أنه لا يزال هاوياً لها منذ نعومة أظفاره إلى أن بلغ الثمانين ونيفاً.
العجيلي الذي يقاوم المرض ويصارعه في جولات متعددة يتغلب على المرض حيناً ويتغلب عليه المرض أحياناً، وكل منهما يستعمل أجود أسلحته وأحدثها في محاولة للانتصار على صاحبه؛ كان العجيلي يستعمل سلاح الصبر والعلاج الفيزيائي والعقاقير الطبية في الدفاع عن نفسه بالأسلحة التقليدية التي طالما عالج بها الكثيرين؛ فكانت سبباً في شفائهم في عيادته العتيدة التي ظلت مفتوحة أكثر من 60 عاماً، وكان المرض في مهاجمته يستعمل معه كل أسلحة الخبث والألم والفتور والإرهاق.
المعركة ما زالت مستمرة منذ أكثر من عامين، والعجيلي يقاوم المرض بالقراءة مرة والكتابة مرات أخرى، وكأن الحروف والكلمات تقف إلى جانبه وتدعم صموده في مشاريعه الإنسانية النبيلة الطموحة، لكنه اليوم توقف عن الكتابة والقراءة، تاركاً كتبه تدافع عنه؛ فمن مجموعته القصصية الأولى (ساعة الملازم) إلى آخر كتبه (جيش الإنقاذ) شهادة عصر وتاريخ أمة ورؤية أديب.
لقد نفر العجيلي اليوم من كل اللغات، وهي التي كانت في الأمس أجود مطاياه، متجهاً إلى عالم الحلم والصمت، متمثلاً قول الشاعر: (الصمت في الأحداث بوح مهذب). العجيلي المسافر دائماً في العالم الفسيح يؤلمه الركود رهين المحابس، وكأنه في شبابه كان يردّد قول الشاعر: (تغيّر فإن الماء يفسده الركود).
العجيلي ذلك الرجل المستقل الذي قضى حياته معتمداً على نفسه لم يعد قادراً على ممارسة أعماله الخاصة؛ فأصبح في حاجة إلى مَن يداريه ويعاونه على قضاء حاجاته؛ فكيف مرض الطبيب المداوي؟ ألم تحصنه مهاراته وخدماته الطبية والإنسانية طوال سبعة عقود؟ وكأني بنواميس الكون وقوانينه تقول: المرض سلطان.. حتى على الأطباء.
مشاعر كثيرة انتابتني مساء السبت 18-3-2006م عندما زرت العجيلي في منزله، ورافقني خلالها المصور سلمو السلمو؛ كانت الابتسامة على وجه العجيلي أول ما لفت انتباهنا، يلف جسده النحيل بعباءة عربية في جلسة عائلية حميمة دافئة تضم ابنه الدكتور الجراح حازم الذي عاد من دمشق وفتح عيادة أبيه مكملاً مشواره الطبي، واختيه الحاجة مريم التي تقوم على خدمته، وفاطمة وولدها عبد المهدي الذي يأبى إلا أن يكون إلى جانب خاله في أوقات مرضه، وابنة أخيه شهلا الزهرة البرية والغصن الذي أبدع المجموعة القصصية (المشربية).
حاول العجيلي أن يحدثنا بكلمات بسيطة؛ كي يؤكد لنا فرحه بزيارتنا له، فسأل عن أحوالنا وكتاباتنا، وكان د. حازم يترجم له ما يعجز سمعه عن أن يدركه منا. قال العجيلي: (أصبحت القراءة عليّ صعبة، والكتابة أصعب؛ فعليكم أن تكملوا أنتم الدور معشر الشباب)، وأفشت لنا الأستاذة شهلا سراً عن كتاب جديد للعجيلي يلوح في الأفق، على رغم المعوقات كلها، يضمّ قصصاً ومقالات.
ودّعناه، وفي قلوبنا غصة من المرض، حتى ولو كان سلطاناً، فسلاماً.. عبد السلام العجيلي نهرنا المتدفق أبداً.


* صحفي سوريّ

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved