الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 1st September,2003 العدد : 27

الأثنين 4 ,رجب 1424

الروح تجابه العقل والآلة
علي العمري
ثمة نماذج فريدة يمدنا بها تاريخ الأدب لأدباء رحلوا، ولم يتركوا العالم، كما كان قبل مجيئهم، أولئك النوعية التي لا تبتكر كتابتها فقط بل وكل لحظة من لحظات حياتها أيضاً، وكأنما جاءت لمهمة شاقة وغامضة، لا يمكن اختزالها أو النظر إليها على أنها تغيير للعالم. والكاتب الألماني هرمن هسه «1877 ـ 1962» واحد من تلك النماذج فهو وإن عرفه القارئ العربي كروائي قدم أعمالاً مهمة مثل «دميان، لعبة الكرات الزجاجية، سدهارتا، نرسيس وجولد موند...» إلا أنه شاعر ايضا، وكاتب قصة قصيرة وموسيقى ورسام أي فنان جرب الحياة كحالة فنية صعبة تدفع الكائن إلى الجنون والانهيار، فقد عاصر الحربين العالميتين وعاش حياة متشظية تشبه في بحثها وقلقها كتاباته، وعانى منذ الصغر حالات الاكتئاب حد أن والده أدخله إلى جهة ترعى من يعانون حالة الضعف العقلي، ولم ينسجم في حياته العملية أو العلمية ولا حتى الأسرية والاجتماعية. ولا بد لقارئ هسه ان يلاحظ ولعه بالحضارات الشرقية وتاريخها فهو من عائلة مهتمة بالشرق فأبوه ذهب مبشراً إلى الهند، وكذلك كان جده مهتماً بالحضارة الهندية ولغاتها، لقد جاءت كل كتابات هرمن هسه تقريباً لتبحث في أسئلة الذات الداخلية وانسجامها مع الخارج، ولتتأمل الإنسان المفرد والوحيد والمعزول الباحث والمتسائل والرافض الذي يأخذ الروح إلى أقصى تحولاتها، إن ولع هسه بالمشرق في أحد جوانبه جاء لرفض النظرة الأوروبية القادمة من عصر التنوير والثورة الصناعية التي تحكم بتفوق العنصر الأوروبي على غيره وتخفض من شأن الروح في تقدم لا مشروط للعقل، لقد عبر هسه في نص قصصي ضمن ما يسميه بالحكايات الخرافية «ترجمها للعربية أسامة أسبر» عن فوقية الأوروبي وثقته الحمقاء بالعقل، وهذه الحكايات هي نماذج مكثفة لاشتغالات هرمن هسه حين تصبح الحياة بكليتها محض خرافة يمتزج فيها الحلم بالمعرفة بالموت، حين يأمل الإنسان في النجاة من رعب الحرب والعنف والقتل، وأن يصبح الموت عملية تحول هادئ وسلام مكلل بالزهور، ويتجلى في هذه الحكايات رؤية هسه للفن كخيار شاق ومران طويل، وبحث عن تناغم الروح مع العالم وأشيائه، فالشعر حين يصبح رغبة في الاقتراب من المطلق والتلاشي فيه، لا بد ان يحطم الكائن تماسكه الظاهرى وعادية حياته وعلاقاته في مغامرة صوب العمق الجوهري للوجود وحتى تجتاز الحواس خدرها ولا مبالاتها ورغباتها الهشة وتنفتح على الأبدية وقوانينها وتصل الرؤية إلى صفائها الشفاف والبسيط.
أما المرأة فهي الوهج الذي يحترق في أتونه الرجل وهي السبيل إلى المعرفة والموت، إنها البراءة والذنب معاً، الخطيئة والحب. كما يظهر المعلم الروحي في حكايات هسة الخرافية ذي المعرفة الباطنية التي لا تحتمل مالك الإرادة والكشف الحكيم من يدرك خفاء القانون والدليل الذي يقود المريد في ليله القدري.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved