نص تلك مدينة لا تشبهني مرسي العزي معافا
|
هكذا كانت طفلة صغيرة لا تفقه شيئاً، وتحاول أن تتعلم كل شيء، لم يعتن أحد بتعليمها.. ففي كل محاولة لها سرعان ما تبوء بالفشل.!
في يوم ما أحضر والدها معه طبقا من الفول ليتناوله في عشائه.. وكأي طفل صغير تناولته من يده ووضعت بقربه بعضاً من الخبز الأسمر.. وقدمته بفرحة غامرة..!
اقترب أبوها من الطبق وشمّر عن ساعديه.. وتناول ما يكفي معدته. ثم طلب منها أن تحتفظ بما تبقى منه..!
وقفت تفكر ملياً.. أين ستحتفظ به.؟
دلها تفكيرها أن أفضل مكان يمكنها ان تحفظه فيه.. على أحد الرفوف الخشبية داخل إحدى خزانات المطبخ.!
تلك هي ابنة العشر سنوات، كانت ترى ان تحتفظ بكل شيء في مكان واحد آمن..!
أشرق صباح يومها التالي تحت أحلام كبيرة لا تفارقها قطع من الحلوى.. لعبة ذات شعر ذهبي.. وفجأة وقف الحلم الطفولي وارتطمت أذناها بصوت أشبه بالرعد ينادي مرة.. بل مرات..!
ركضت باتجاهه حتى كادت تصطدم بباب حجرتها الصغيرة..!
أطلت بوجهها الهادىء وآثار النوم تبدو عليه!
وقبل أن يقدم لها تحيته الصباحية تفوه بصحن الأمس..!
توجهت بسرعة نحو خزانة الطعام الحائطية وأخرجت صحن الفول ووضعت بقربه قطعة خبز وحملته متجهة به صوب الحجرة.. كان منهمكا بقراءة الصحيفة..!
قدمت مائدتها الفقيرة.. وتركت الحجرة..!
أما هو فقد ألقى ما بيده وأمسك بقطعة الخبز بعد أن غمرها بالفول وألقى بها إلى نحبه الكبير..!
تحركت قدماها بضع خطوات حتى سمعت، هديراً عاليا يناديها..!
تجمدت الدماء في عروقها.!
وصهلت أنفاسها من شدة الخوف.!
لم يكن لديها الخيار سوى أن تعود بضع خطوات، تركتها من ثوان قليلة!
استدارت بنظرات منكسرة أمام الشرر المتطاير من عيني أبيها..
أشار بيده إلى صحن الفول الذي غطته البكتريا.. وتحول إلى طعم غير مستساغ ورائحة عفنة انبعثت منه.!
وقبل أن ترفع الصغيرة بصرها إلى المائدة.. هوت يده على وجهها بصفعة ألقتها أرضاً..!
وتمدد الجسد النحيل.. بينما تطايرت شرائط شعرها الوردية اللون..!
وانسفحت دمعة من عينيها الكسيرتين..!
من خلف زجاج الماضي، فقد رسمت الحزن بجبات من اللؤلو على خديها ولملمت حقيبتها التي احتفظت بها في سرداب الألم.!
إنها تبحث عن طفلة لم تكبر في مساحة لا تتعدى أعوامها الثلاثين ومازالت.. وتحاول أن تتعلم كل شيء.!!
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|