Culture Magazine Monday  01/10/2007 G Issue 218
فضاءات
الأثنين 19 ,رمضان 1428   العدد  218
 

سلطة أبويّة
د. مصلح النجار

 

 

تعرّف (سلطة الأب) على أنّها (إشارة إلى علاقات القوّة، التي تخضع في إطارها، مصالح المرأة لمصالح الرجل، ومصالح جميع أفراد الأسرة لربّ هذه الأسرة).

هنالك وحدة كلاسيكيّة بين الرجل والسلطة: شُرطيّا، وحاكما، وأبا...، وهنالك مجموعة من الأنظمة السائدة المتوائمة معا، والمتواضع عليها في كثير من المجتمعات، وفي كثير من مراحل حياة هذه المجتمعات، ومن هذه الأنظمة: حكم الأب للمنزل، وأفراده، وحكم الرجل للمرأة، وحكم المرأة للأولاد في أثناء غياب الأب، وحكم الشرطيّ للمدنيّ، وحكم العسكر للناس، وحكم السلاطين للشعوب، وحكم المعلّم للتلاميذ.

وليس صعبا على الناظر المتفحّص أن يكتشف أنّ سلطة الأب غدت مهدّدة في المنزل، فمن جهة ترغب الأمّ أحيانا بكسر (قيد العبوديّة)، والتحرّر من سلطة الأب، وتحاول أن تثير ثورات صغيرة هنا وهناك، لهزّ السلطة البطريركيّة للأبّ. وقد يتضافر مع ذلك، أحيانا، وفي بعض المجتمعات، تعاطي الدوائر العليا للسلطة، مع سلطة الأب، بالطريقة ذاتها، وذلك تبعا للأهداف الخاصّة لتلك الدوائر العليا.

المشكلة هي أنّ سلطة الأب آخذة بالتداعي من كثرة الرّكْل، وبخاصّة أنّها غدت مضرب المثل في البطريركيّة. فإذا تداعت سلطة الأب في المنزل، فإنّ الأمّ لن تفيد من ذلك، وكذلك الحلقات الأعلى للسلطة. إنّ مراهقا لا يعترف بسلطة أبيه في المنزل، على الرغم من أنّه يرتبط به منفعيّا، لن يلتزم بسلطة المعلّم في المدرسة، أو الشرطيّ في الشارع، وعلى المستوى المجتمعيّ، ولن يلتزم كذلك بأطر سلطة السلطان على مستوى الدولة.

إنّ انهيار الحلقة الصغرى من حلقات السلطة، لا بدّ له من تركِ شرخ في الحلقة التالية، وانهيار التالية يشرخ الثالثة، ...إلخ، في متواليةِ منظومةِ السلطة. إنّ منظومة السلطة في المجتمع يمكن تصويرها بصورة دوائر متتالية في حجمها، تحتوي الكبيرةُ منها الدوائرَ الأصغرَ حجما، وهي مصفوفة، بحيث تتقاطع جميعا في نقطة، أو في جزء من محيطها، وبالتالي فإنّ انهيارَ دائرةٍ صغيرة في الداخل يؤثر سلبا في الدوائر اللاحقة جميعا.

ويمكن فهم الأدوار في الأسرة من خلال خطابِ متنٍ يقف وراءه الأبُ، ويتجلّى في تولّي السلطة، بالتوافق، مقرونا، أحيانا، بكلام على الأعطيات والنِّعم، التي ينعم بها الأبناء، والتعب الذي عاناه الأب لتوفير تلك المكتسبات للأبناء، فضلا عن مدى الحرمان الذي عاناه الأب سعيا وراء تلك الغاية.

إنّ علاقة التوافق على سلطة الأب يمكن فهمها من خلال ثنائية (النِّعَم/ النَّعَم) بكسْر نون الأولى وفتح نون الثانية. ففي مقابل خطاب المتن سالف الذكر؛ كان هناك خطاب هامش يتمثّل في الإذعان، والإقرار.

وفي حالات التغيير كان خطاب الأبناء يتحوّل إلى ردّ على سلطة الآباء، فيصبح خطابهم متمحورا حول الحرمانِ الذي عانَوه، والزهدِ بطلبِ أيّ شيء من الآباء، وحول حالات الأنانية التي مارسها الآباء، في مواقف معيّنة، على حساب الأبناء أو الأسرة.

إنّ زاوية النظر هي التي تصنع الخطاب، أي إنها تشكّل نوع الخطاب. فالحالة الواحدة يمكن تحليلها بوجهتين مختلفتين، أو أكثر، والحادثة الواحدة يمكن أن تكون دليلا على أمرين متناقضين أحيانا. والكثير قد يُنسى أو يُتناسى، والقليلُ القليل قد يصبح لازمةَ الخطابِ، حين لا تصفو النوايا.

إنّ عدم وعيِ عواقب الإطاحة بسلطة الأب في الأسرة يترتّب عليه خساراتٌ أكبر، وتجدُ السلطةُ الإداريّة، أو الأمنيّة، أو السياسيّة نفسَها مهدّدة، من المدخل ذاته الذي كانت منه خسارةُ الأبِ لسلطته. فلتحيا سلطة الأب...

تحيا سلطة الأب.

- عمان


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة