الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 1st November,2004 العدد : 83

الأثنين 18 ,رمضان 1425

قراءة في قصة.. فوزية الحربي
قراءة في قصة (لك وحدك) للمبدعة فوزية الحربي المنشورة في الصفحة السابعة من المجلة الثقافية الصادرة عن صحيفة (الجزيرة) في العدد رقم (79) السنة الثانية، الاثنين 2081425هـ.. القصة:
جمعت له ورود البنفسج العابقة برائحة الحياة، نزفت أناملها من الأشواك، انتظرت طويلاً.. من يشم رائحتها ويداوي جروحها، طال الانتظار.. طال.. أفلت النجوم تباعدت الخطى لملمت بقايا روحها، واتخذت مكاناً قصياً، بعد كل هذه المسافات.. أرسل لها الطير بشارة وصوله، وصل.. وصل.. وصل بكل عنفوانه، وصل فارساً من زمن الرجال.. وصل يحمل لها ألوان الحياة تاجاً يضعه فوق جبينها، وصل ليهديها قلباً طرياً غضاً لم يمسسه بشر، وصل فمدَّ إليها يديه رافعاً علمه الأبيض على حدود قلبها، وعندما أصبح أقرب لها من أنفاسها، وعندما همَّت له، كان طلب اللجوء السياسي لعينيه قد أُلغي، لأنها من كوكب الأرض.. وهو من كوكب المريخ، ولأن السنين الضوئية، إذا التقت سينتهي العالم، قرأت عملاً إبداعياً جميلاً بلغته السردية الراقية وأسلوبه الرفيع، حيث حرصت الأخت (فوزية الحربي) على الكتابة القصصية بلغة عربية فصيحة في السرد والحوار على السواء.. يظهر جلياً أن كاتبتنا متمكنة جداً من أدواتها الفنية العالية، حيث استخدامها للعديد من الطرائق الحديثة المستخدمة في الفن القصصي كالمنلوج الداخلي.. المباشر (الأخبار).. والأسلوب غير المباشر (الكشف) مما يدل على وعي وإدراك القاصة ومعرفتها بذلك، على أن القصة لم تعتن بالبعد الجسمي (للأنا)، فيما حاز البُعد النفسي والثقافي على حيز كبير من القصة، فقد بدأت بداية إخبارية عن بطلتها التي جمعت الورد الطري العابق الذي تفوح منه رائحة الحياة.. جمعت له ورود البنفسج العابقة برائحة الحياة، نزفت أناملها من الأشواك، وتقرر في أخبارها أن بطلتها تعرَّضت لحادث أثناء جمع الورد مما جعل أناملها تنزف دماً، من خلال السياق تتضح معاني الألوان المستخدمة في رسوم هذه الصورة، فالورد له لون البنفسج، والدم له اللون الأحمر، وكلا اللونين يستخدمهما الفنانون التشكيليون تعبيراً عن حالة الحب، انتظرت فارس أحلامها ليشم رائحة هذه الورود التي اختارتها له، قبل أن تذبل، ومن ثم يداوي نزف جراحها، الذي تسببت فيه أشواك الورد، وقد أنكرت الأنا في هذا السياق حيث تقدم (شم الورد عن مداوات الجراح).. انتظرت طويلاً من يشم رائحتها ويداوي جراحها، وانتبذت مكاناً قصياً، اتخذت مكاناً بعيداً عن عيون العاذلين، لا تريد لأحد أن يرى مأساتها، ولا تريد لأحد أن يعرف أنها انتظرت طويلاً لمن لم يُقدِّر هذا العذاب، لملمت بقايا روحها، واتخذت مكاناً قصياً.
واستخدمت أسلوب المشاهد الشبيهة بأسلوب القطع السينمائي، كالأحلام، والرسائل، والحوار والحركات والأفعال، فقد حفلت القصة بالكثير الكثير من الصور المتحركة والساكنة، وحفلت بالعديد من المشاهد التي تكاد أن ترى بعضها رأي عين، وبعد كل هذه المسافات أرسل لها الطير بشارة وصوله وصل، وصل.. الملفت في هذا المقطع هو الصورة الحركة للطير وهو يغرد كالأطفال، مبشراً بوصول الفارس المنتظر منذ الصباح الباكر، منذ أن جمعت له الورود، وصل... وصل وهنا انتفضت تعدد كل ملامح وصول البطل بكل عنفوانه، وصل فارساً من زمن الرجال، وصل يحمل لها ألوان الحياة تاجاً يضعه فوق جبينها، وصل ليهديها قلباً طرياً غضاً لم يمسسه بشر، ها هو وصل.. يحمل قلباً طرياً غضاً.. ليقدمه لها، وبين يديه راية الحب البيضاء المسالمة ليعلن تملكه حدود قلبها، ولكن (يا فرحة ما تمت)، أرأيتم نبرات الحسرة المخبوءة خلف ظرف الزمان (عندما).. حيث تشعرك القاصَّة بعلامات النهاية عندما اتخذت أسلوباً حاذقاً متمكناً في العبارات المتلاحقة التالية، وعندما أصبح أقرب لها من أنفاسها، وعندما همَّت له، كان طلب اللجوء السياسي لعينيه قد أُلغي لأنها من كوكب الأرض.. وهو من كوكب المريخ، ولأن السنين الضوئية إذا التقت سينتهي العالم، موضحة الأسباب التي تسببت في إلغاء طلب اللجوء، إليها وهي بذلك ترمز لبعض القيم والسلوكيات عند أهل الأرض التي قد تتسبب في إلغاء أي مشروع حيوي، وهذا دليل على وعي القاصة الكامل بأهمية النهاية الدراماتيكية للقصة، إلا أنني توقفت ملياً عند هذا المقطع وذلك بسبب الارتباك الذي لازمني، وأنا أحاول الصمود مع بنائه وتراكيبه اللفظية، فعبارة (أقرب له).. قريبة إلى العامية أكثر منها للفصحى.. قال الله تعالى في كتابه الكريم: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}.. وكذلك عبارة (همَّت له).. وأعتقد جازماً أنها في الأصل (همَّت به)، ولعل الخطأ طباعي بحت، قال تعالى:{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ}.. والعبارة الأخيرة (كان طلب اللجوء السياسي لعينيه قد أُلغي..) لازمني الارتباك عند قراءة هذه الجملة فقلت: لعل بناءها لم يكن متناسقاً، وحاولت أن أعيد صياغتها دون أن تفقد معناها، وبنفس كلماتها، فقلت: لو كانت الجملة هكذا.. وعندما أصبح أقرب من أنفاسها، وعندما همَّت به، كان قد أُلغي طلب عينيه للجوء السياسي، وهناك ملاحظة صغيرة على كلمة (جروح) في الجملة يداوي جروحها، ولو استبدلتها بجراحها لكان أفضل، أما (فصيّ)، فلعله خطأ طباعي، لأن صوابه اتخذت مكاناً قصيّاً، وإني على يقين أن طموح المبدعة القاصة (فوزية الحربي) قادر على تجاوز مثل هذه الهنّات، التي لا تقلل من العمل الإبداعي الجميل الذي قرأناه في قصتها (لك وحدك)، حيث تميزت القصة بجمعها بين ملامح الرومانتيكية والواقعية، فقد حملت ملامح واضحة من المذهب الواقعي، ولم تنج من نزعة رومانتيكية ظلت تحلِّق في آفاقها بين الحين والحين.. حلَّقنا بعيداً إلى عالم الدهشة والإمتاع، حيث امتلأت جوانب القصة بإبداع فكري، عربي خالص، خالٍ من التغريب، والتعتيم.. بعيد كل البعد عن الرمزية الموغلة في عتمة الغياب.


أحمد الحربي
عضو النادي الأدبي جازان

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
تشكيل
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved