Culture Magazine Monday  02/07/2007 G Issue 205
فضاءات
الأثنين 17 ,جمادى الثانية 1428   العدد  205
 

المطولات الشعرية
قاسم حول

 

 

بدأت فكرة المطولات الشعرية من أيام المعلقات، طرفة بن العبد والنابغة الذبياني وزهير بن أبي سلمى وعنترة بن شداد والأعشى ولبيد بن ربيعة العامري وعبيد بن الأبرص.. كان ذلك قبل الحداثوية بأكثر من ألف وأربعمائة عام.

التطور هو سنّة الطبيعة والتأثير والتأثر هو من سنّة الأدب والفكر، والفكر الإنساني لا تحده الحدود، فالمسرح مثلاً حدثنا التأريخ أنه نشأ في 490 قبل الميلاد، حيث وصلنا أول نص مكتوب وهو المتذرعات للإغريقي أسخيلوس وتعلمنا منه ومن الأغريق أسس كتابة النص المسرحي، وبالنسبة لي فإن كلكامش هو النص الأقدم في بنيته الدرامية وشخوصه ولكن ذلك النص لم يجد من يمثّله على المسرح فيما متذرعات أسخيلوس مثّلت.. تأثرنا بالمسرح وأصبح لدينا مسرح عربي نقيم له المهرجانات المسرحية وهو فن أتى إلينا من الأغريق.. كذلك فكرة الحداثة في الشعر فإنها لم تولد عندنا مع أن عظمة الشعر بنمطها الكلاسيكي نبعت من الجزيرة العربية.

هنا فكر بعض الشعراء بالمطولات الشعرية الحديثة فنشأت المسرحيات الشعرية وهي أول فكرة للمطولة الشعرية ومنها قيس وليلى لأحمد شوقي. وهذه المطولة كتبت لتمثل على المسرح ولتظهر على شاشة السينما. لكن المطولة الشعرية كنص شعري مجرد للقراءة فإن تجربة الشاعر الراحل بلند الحيدري في مطولته حوار عبر الأبعاد الثلاثة كانت تجربة رائدة ومشوقة وهي تصلح كثيراً أن تقدّم على المسرح لأن فيها قيمة درامية وصوراً جميلة للأداء تمثيلاً. وكان رحمه الله عندما سجلها بصوته فإنه قام بأداء شخوصها وكما يتصورهم هو.. كان التسجيل جميلاً ولكنه يفتقر للمخرج.

يا كلكم

يا غيبة الحاضرين

يا أيها المارون كل ليلة

ببيتي المنطفئ الأضواء

أنا هنا أموت من سنين

أزحف من سنين

خيطا من الدماء بين الجرح والسكين.

في هذه المطولة الشعرية مشاهد وأحداث تنمو وأفكار لها ذروات صغيرة وذروة درامية أساسية، عندما تقرأ لا يشعر المتلقي بالملل، فالهدف في هذه المطولة الشعرية ليس أن يكتب الشاعر بنفس طويل، فالقصيدة أحياناً تختصر الأفكار بسطور أو بجملة واحدة (آه لو كان لكل نساء الأرض فم واحد لقبلته واسترحت)، ولكن عندما يكتب الشاعر مطولة شعرية فذلك يعني ولادة حدث كبير وليس لحظة شعرية.. حدث لا يمكن التعبير عنه شعراً سوى بمطولة شعرية.

والسؤال إذا كانت هذه المطولة ذات بعد درامي وفيها شخوص وأحداث تتنامى فلماذا لا تكتب على شكل مسرحية ويكتب حوارها نثراً ، لكن الشعر يكتب عندما تعجز كل أدوات التعبير حينها يأتي دور الشعر.. وقيمة الشعر هنا في المطولات الشعرية ذات البعد الدرامي وهي غير المسرحيات الشعرية تكمن في إعطاء النصوص الدرامية قيمة تعبيرية وجمالية لأن الشعر هو غير الواقع والمسرح هو واقع والشعر هو التعبير عنه بصيغة ليست فوتوغرافية فيرتقي حينها بالحدث من خلال التعبير عنه شعراً.

يأتي الحديث هنا عن مطولات شعرية جديدة لشعراء الحداثة. وقرأت من هذه المطولات، وحاولت جاهداً المتابعة فشعرت أنني أكذب على نفسي في الصبر. لأن القيمة الدرامية مفقودة والمطولة الشعرية لا تصبح ذات ضرورة إذا لم يكن الحدث يحتاج إلى ذلك الاسترسال.

لو افترضنا أن شاعراً لديه خمسمائة قصيدة وحذف عناوين تلك القصائد ورصفها وراء بعضها في كتاب، ألا تصبح تلك القصائد مطولة شعرية؟ وإنك تنتقل من موضوع إلى آخر ولا تعرف ثيمات القصائد ولا عناوينها فتضيع في لغو شعري فكتابة مطولة شعرية بخمسمائة صفحة هو عمل جنوني لا شك.

أليس من الأفضل في مثل هذه الحالة تقطيع المطولة الشعرية إلى قصائد يقرأها المتلقي ويستمتع بكل نفثة شعرية بدلاً من أن يزجنا الشاعر في مطب محرج.

قرأت مطولة شعرية تقع في خمسمائة صفحة وأنا في هذا العصر، عصر الضرائب والغرامات المالية والعوز وانتشار البطالة وضياع الحقوق الإنسانية العامة والخاصة وضياع الأوطان. في مثل هذا العصر والواقع يصعب علي أن أتابع رواية بهذا الحجم إلا إذا كان الكاتب ملهماً وأنيقاً وحقيقياً، فكيف لي أن أقرأ مطولة شعرية بهذا الحجم مسندة بهوامش في كل كلمة يلحقها هامش علي أن أفهمه حتى أعود للمكان الذي توقفت عنده وأواصل المسير فاصطدم بهامش آخر ليشرح لي الشاعر معاني وأمكنة وتواريخ فيما الشعر لا يفسر وحتى لا ينقد لأنه دفقة ونسمة هواء باردة في صيف قائظ وحتى أنني أحب أن أسمعه صوتاً ومن الشاعر نفسه وأنا مغمض العينين.. فهل تتوقف هذه المطولات الشعرية في هذا العصر سيما ولم تبق جدران نعلق عليها تلك المطولات بهوامشها لأن كافة الجدران قد هدمتها الصواريخ بعيدة المدى!

- كندا


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة